ورَحَل أستاذي
وأستاذ الشّيخ خليفة
▪️ مقال بقلم : رياض باسلامه
عند الساعة التاسعة والنصف من صباح يوم السبت 24 ذو الحجة 1435هـ الموافق 18 اكتوبر 2014م توفي بمدينة سيئون الأستاذ الفاضل : عبداللاه بن محمد عبدالرحمن بارجاء عن عمر ناهز الـ(80) عاماً قضى معظمه في خدمة الوطن فعلا لا قولا .
الأستاذ عبداللاه محمد عبدالرحمن بارجاء من مواليد عام 1934م بمدينة سيئون وتلقى تعليمه الأساسي بها .
ثم التحق بالمدرسة الوسطى بغيل باوزير وكان متفوقاً على أقرانه إذ نقل من الصف الثاني إلى الرابع دون المرور على الصف الثالث وقال عنه حينها ناظر المعارف الدولة القعيطية ( الشيخ القدال سعيد القدال ) ” إن عبداللاه بارجاء هو الطالب الوحيد الذي طار واختصر مدة الدراسة من أربع سنوات إلى ثلاث ” .
وبعد تخرّجه من المدرسة الوسطى عام 1951م بعث برسالة إلى ناظر معارف الدولة الكثيرية السيد علي بن شيخ بلفقيه يلح فيها الأستاذ عبداللاه طالبا مواصلة دراسته ليتمكّن من خدمة وطنه .
وظل يرسل الرسالة تلو الأخرى من أجل تحقيق أمله بمواصلة تعليمه إلى أن تلقى ردا من ناظر المعارف في بداية عام 1952م قائلا له “لم يكن لدينا في الميزانية ما يكفي لترحيلك لغير بخت الرضا” ولم يرغب الأستاذ عبداللاه الذهاب إلى بخت الرضا وألا يزعجوه بذكر بخت الرضا كدليل على عدم رغبته للسفر لها وأدى ذلك إلى احتدام الخلاف بينه وبين ناظر المعارف السيد بلفقيه حتى أذعن مكرها -وبعد إعتذاره المكتوب عن عصيانه لأوامر الحكومة الكثيرية – للسفر إلى جمهورية السودان ليدرس في (معهد بخت الرضا) لإعداد المعلمين ضمن الدفعات الأولى التي سافرت إلى هناك .
وبرغم ذلك فقد تفوق على أقرانه من المبعوثين إلى بخت الرضا وكان أول من يحصل على توصية للدراسة في بريطانيا واستمرت دورته التأهلية بمدينة اكستر بريطانيا لسنتين عاد بعدها عام 1960م إلى مسقط رأسه (سيئون) ليأخذ مكانه كمديراً للمدرسة الوسطى بسيئون وقد انتقلت إلى مبنى بن داعر في منطقة علم بدر (حي الثورة اليوم) فكتب ناظر المعارف للدولة الكثيرية يومها الأستاذ علي بن شيخ بلفقيه ” إن الأستاذ بارجاء كان دعاية حسنة جدا للإقبال على البعثات الدراسية في الخارج ” .
فنهض بالتعليم في المدرسة الوسطى من خلال اهتمامه الكبير بالأنشطة اللاصفية فحولها إلى خلية نحل دائمة الحركة من الصباح الباكر وحتى صلاة العشاء يومياً .
أدخل إلى الأنشطة نظام الجمعيات مثل : جمعية صغار المزارعين ، وتربية الدواجن ، والنجارة ، والصحافة ، والفنون ، والجلسات الأدبية ، والتصوير الفوتوغرافي ، والدكان التعاوني ، ومحكمة العدل (تتكون من قاضيين ونائب عام لحل مشاكل الطلاب بالمدرسة وتتخذ القرارات والأحكام المناسبة) ، بما يشبه الإدارة الذاتية التي يقوم بها الطلاب بأنفسهم .
ومن روائع وإبداعات الأستاذ عبداللاه بارجاء التي تميز بها أن يحمّل كل طالب في المدرسة مع نهاية العام الدراسي رسالة إلى ولي أمره يقول فيها :
“هانحن نُرجع اليك وديعتك الغالية .. وقد بذلنا كل مافي وسعنا لتربيته تربية حسنة وشغلنا كل أوقاته من الصباح الباكر حتى بعد العشاء وذلك في دروس يتلقاها ونشاط يمثل فيه ورياضة تفتق عضلاته ، كما انه يقرأ الأوراد في الصباح والراتب في المساء كل يوم “.
حرص في وقت مبكر على تعلم ونشر اللغة الانجليزية وإيجاد أسهل الطرق لتوصيلها إلى الطلبة وفق برنامج تعليمي أعدّه لهذه المادة على ثلاثة مستويات حتى التحدث بطلاقة.
أسس معهد 14 أكتوبر المسائي في مدرسة جيل الثورة (الشهيد الزبيري حاليا) وذلك لتعليم الضرب على الآلة الكاتبة وتعلّم اللغة الإنجليزية . ثم تحول المعهد إلى مدرسة مسائية في بيته لتدريس اللغة الإنجليزية وقد تخرّج على يديه اجيالا ممن يتقنون اللغة الإنجليزية .
إهتم قبل المرض الذي أقعده بحياة الرسول صلى الله عليه وسلّم وعمل معرضا لعرض صور آثار الرسول محمد صلى الله عليه وسلم و تعاليم الدين وكان داعية إلى الله فقد كان يوزع كتبا باللغة الإنجليزية للتعريف عن الإسلام والرسول للأجانب ويدعوهم إلى إعتناق الدين الإسلامي .
كما أن له أعمالا خيريه عظيمة منها أخذ المصابين بالأمراض العقلية والنفسية لرعايتهم وإرسالهم للعلاج إلى مصحة السلام بعدن .
ومما يجهله الكثير أن الأستاذ عبداللاه عمل في إمارة أبوظبي مدرسا ولتميزه فقد أختاره الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان – رحمه الله – ليكون مدرّسا لابنائه
ومنهم سمو الشيخ خليفة بن زايد -الرئيس الحالي لدولة الإمارات العربية المتحدة- وبعد تولي الشيخ خليفة مقاليد الحكم بعث مبعوثه الخاص إلى مدينة سيئون ليلتقي بمعلمه القدير الأستاذ عبداللاه بارجاء ويبلغه سلام وتحيات تلميذه خليفة بن زايد ويعرض عليه عروضا مالية سخيّة ومنها منحه الجنسيه الإماراتيه له ولمن معه من أفراد أسرته إلا أن الأستاذ عبداللاه وبعد شكره للرئيس خليفة لاهتمامه بأستاذه امتنع بعفة يد معتذرا له ومتعللا بأنه قد قرر أن يعيش ماتبقى من حياته في مسقط رأسه (سيئون) متفرغا للعبادة إلى أن يلقى الله سبحانه وتعالى .
غفر الله لـ (أبي خالد) الأستاذ عبداللاه محمد بارجاء وأدخله فسيح جناته وعزاؤنا لأولاده خالد ولطفي ولأختيهما ولجميع أفراد أسرته .
ونسأل الله أن يلهمنا وذويه الصبر والسلوان و (إنا لله وإنا إليه راجعون) .