الهبة الحضرمية الثانية موجة عالية من موجات ثورتنا الكبرى
▪️ مقال/ عبدالحكيم الجابري
طبيعة القضايا الكبرى في حياة الشعوب تتطلب منها القيام بثورات كبرى، لكي تحدث تغيير حقيقي وعميق في واقعها، ولتنطلق نحو غد أفضل ومستقبل مزدهر، ويؤكد التاريخ ان الثورات الكبرى تأتي على شكل موجات متعاقبة، وشعب حضرموت يقف اليوم على احدى موجات ثورته الكبرى، وما الهبة الشعبية القائمة إلا موجة سبقتها موجات، وشهد القرن الماضي ومنذ بدايته انتفاضات وهبات شعبية قام بها ابناء حضرموت، كانت بالفعل موجات متتالية من الثورات، وان حققت اهداف لحظتها الزمنية، لأنها لم تكن تحمل في أغلبها أهداف استراتيجية كبرى، ولكنها شكلت رصيد نضالي تراكمي بني عليه الوعي الذي وصلنا اليه، وقربتنا أكثر الى أن تكون مشروع ثورة لتغيير جذري وعميق، تبرز نتائجها في تبني الهبة الشعبية الأخيرة قضايا لم تثار من قبل، وأصبحت الأهداف أوسع وأشمل وذات بعد استراتيجي، لتصل الى ماهو أبعد من المطالبة بنصيب من ثروات حضرموت، التي ظلت مباحة للاخرين بينما أهلها ظلوا محرومين منها، ليكون حق تقرير المصير من أبرز الأهداف المعلنة، وهو مايرفع قضية حضرموت الى مصاف القضايا السياسية الكبرى، لتكون في مستوى موازي لكثير من القضايا الاقليمية والعالمية، خاصة قضايا تقرير المصير الذي تطالب به العديد من الشعوب.
ان تصل أهداف ومطالب الهبة الشعبية الى المطالبة بحق تقرير مصير حضرموت، لدليل مؤكد على ان ثورة الحضارمة وصلت الى مرحلة التبلور كمشروع شبه متكامل، يحمل في طياته تطلعات كبيرة وجذرية، وان الهبة الشعبية الحالية وبالنظر لما تحمل من أهداف، هي موجة عالية في موجات الثورة الحضرمية الكبرى، ولا نقول انها الموجة الأخيرة، لادراكنا حجم المصاعب والمعوقات الماثلة، ولعلمنا ان طرق سير الشعوب من أجل تحقيق تطلعاتها وأهدافها العليا ليست مفروشة بالورود، وان هناك أسباب موضوعية وذاتية ستحول دون بلوغ الهدف الاستراتيجي، مايجعل الحضارمة يحتاجون لموجات أخرى، ولكنهم في المرات القادمة سيكونون أقرب بكثير الى تحقيق أهدافهم العليا، بعد أن قطعوا شوط كبير في السير اليه، وتحملوا في مامضى المتاعب والآلام، وهي ضريبة تدفعها الشعوب بكل رضا، لتتقدم خطوات من أهدافها وأحلامها.
حتى ان تم قمع الهبة الحضرمية الثانية، أو قدّر لهم إخمادها بأي شكل أو أداة، فهذا لن يكون نهاية المطاف، ولا يعني انتهاء الثورة الكبرى لشعب حضرموت، انما هي نهاية موجة أتت بعد موجات وستليها موجات، موجة تحقف لنا من خلالها الكثير، لاسيما في الارتقاء بالوعي السياسي والحقوقي لدى الجماهير، والأهم انها جسدت التلاحم الشعبي في أروع صوره، وعمقت الشعور الوطني والهوية الوطنية، والتف الجميع حول مصالح حضرموت، متخلين عن كافة الانتماءات الحزبية والسياسية عدا ولائهم وانتمائهم لحضرموت، وهذا في حد ذاته مكسب تاريخي عظيم تحقق لحضرموت.
مايجب التأكيد عليه في الختام، هو ان لا يصيبنا اليأس اذا ما تم قمع هذه الهبة أو إعاقتها، بل علينا تقييم الأحداث واستخلاص الدروس والعبر، لتكون لبنة أخرى لتعزيز مسار شعبنا للوصول لأهدافه العليا، وأن تتم الاستفادة من أي أخطاء قد شابت الهبة الثانية، وتعزيز الإيجابيات باعتبارها تمهيد لموجة أخرى ستأتي حتما من موجات ثورة حضرموت الكبرى، وليدرك كل من ساهم في قمع أو إخماد الهبة الشعبية الحضرمية، أو أساء اليها والى أبطالها ورجالها، أو خذلها بعدم الالتحاق بها ووقف موقف سلبي منها، بأن كل هؤلاء لن يرحمهم التاريخ، وستلاحقهم اللعنات لأنهم وقفوا في الصف المضاد لمصالح حضرموت وأهلها ومستقبل أجيالها.