النخب السياسية والثقافية تعيق انطلاقة حضرموت
مقال/ عبدالحكيم الجابري
في عصر حضرموت الحديث، تحديدا في عهد الجمهوريات، لم يكتب لأي عمل جماعي النجاح، ولم تكلل أي حركة جماعية حضرمية استكمال غاياتها، وتحقيق أهدافها النهائية أو حتى جزء منها، ويعود ذلك بالدرجة الأولى للاختراقات التي يتعرض لها أي تحرك جمعي، من قبل قوى وأحزاب سياسية يمنية، تدرك جيدا أن نجاح أي حركة جماعية حضرمية، من شأنها أن تنقل حضرموت من مربعات التبعية، ومن كونها عربة مجرورة من قبل الغير، إلى أن تكون في مقدمة الركب تقود الجميع خلفها، أو أن تكون ندا ورقما موازيا غير خاضع لأي منهم.
هناك سبب آخر يساعد في فشل كل تحرك جماعي حضرمي، وهو سيطرة روح الأنانية على كثير من نخبها السياسية والثقافية، الذين لايرون أي عمل إلا بوجودهم في المقدمة، ما لم فإنهم يلجأون إلى تعطيله وإخراجه عن سياقه، وذلك ما يطلق عليه في العُرف الشعبي “القدي”، أي أن يكون راكبا في مقدمة السيارة، حتى وإن كان غير مؤهلا لقيادة جمهور، ولكن الذاتية والأنانية تتحكمان فيه، وتعميانه عن النظر لأي مصلحة كبرى ستتحقق لحضرموت وأهلها.
الأمثلة على الحالتين المذكورتين كثيرة، ولعل في ما حدث للهبة الشعبية الحضرمية الثانية، التي انطلقت أولى فعالياتها في سبتمبر الماضي خير دليل، إذ لم تلبث هذه الحركة الشعبية أن تثبت أقدامها على الأرض، وبدأت في التوسع وتحقيق التفاف شعبي كبير، حدث الاختراق من قبل القوى السياسية الخارجية، مستخدمة كالعادة أدوات حضرمية، وبدأت تبرز للعلن نزعات قيادات هذا العمل الجماهيري، نحو مشاريع سياسية هي من أجندات وخطط قوى يمنية، وتم استغلال حقوق حضرموت ومصالحها كتورية، وللتعمية على الجماهير، التي اندفعت بإخلاص وأمل بالخلاص وتحقيق أهداف فيها مصالحهم ومستقبل أجيالهم.
وتأكيدا على سيطرة ثقافة “القدي” على كثير من النخب، تدافع عدد من النفعيين، الذين ينظرون لقيادة أي عمل جماهيري، بأنه مغنما وبوابة للجاه والمال، وبعيدا عن روح الإيثار، التي يفترض أن تكون حاضرة في هكذا عمل، راحوا يتنافسون على مواقع قيادية، ظنا منهم ان هناك مغانم سيتقاسمونها، فانهار المبنى ومعه أحلام وآمال الحضارمة، بسبب انانية وانتهازية البعض، من أصحاب الفكر النفعي، الذين لا يفوتون أي عمل ولا جهد إلا حاولوا الاستفادة الذاتية منه، فكانت النتيجة انقسام الهبة، وضياع كل أهدافها المعلنة، ومنهم من تفرّغ لجني ما خرج به بعد التنسيق مع السلطة والجهات المعنية، وآخرين ذهبوا لفتح قنوات تمويل ومكاتب وغير ذلك، وتحولت الهبة الشعبية وظيفة استفاد منها قلة، وهي فائدة كالسحت، لأنهم أضاعوا حقوق شعب كامل، واكتفوا بالصرفيات اليومية، ومنهم من وجد فيها مصدر لتجميع الأموال، عبر التبرعات والهبات.
أن يكونوا أدوات لتنفيذ الاختراقات الخارجية، أو يكونوا أنانيين انتهازيين لتحقيق منافع ذاتية، فإن كلتا الحالتين تعبّران عن صفات سلبية، بل مرضية تعاني منها كثير من نخبنا السياسية والثقافية، ومن هذه الصفات حب العبودية، والرضا بالإخضاع والإذلال والخنوع أمام الآخرين، وهذا يظهر من خلال تقديم أنفسهم خداما لمشاريع وأجندات الجهات الخارجية، على حساب مصالح وتطلعات حضرموت وأهلها، والصفة الأخرى هي الاستعباد وحب السيطرة والتحكم في الآخرين، باستماتتهم ليكونوا في مواقع قيادية، مالم فإنهم سيعطلون أي عمل أو جهد جماعي.
إن هذه النخب صاحبة السمات والصفات المريضة، تجدهم لا يمارسون هذا تصرفاتهم هذه إلا على أهلهم في حضرموت، فرغم أن الحضارم هم رواد ومؤسسين، للعمل التنظيمي والجماهيري في عموم اليمن، من أحزاب ونقابات ومنظمات، إلا إنهم يكونون مع الآخرين على غير ما هم مع أهلهم، تجدهم متخلين عن المواقع القيادية “القدي” للغير، حتى وإن كانوا هم أصحاب الفكرة والتأسيس، إلا إنهم يرضون بأي موقع، ويكتفون بما يقرره لهم الغير من مكسب، ويكونون خاضعين منقادين لإرادتهم، والدليل أن حضرموت لم تستفد حتى اليوم من أبنائها، الذين يعملون في منظومة ومؤسسات الدولة المختلفة، لافتقادهم الثقة في أنفسهم، ولعدم حبهم الخير لأهلهم، ولن يتغير حال حضرموت إلا متى ما تخلصت نخبها من هذه الأمراض، وتطهرت النجاسة التي يمثلها من يحملون روح التبعية، وأصحاب الفكر الانتهازي والنفعيين، لتنطلق حضرموت نحو المجد، بسواعد أبنائها وبقيادات تحمل بين جنباتها روح الولاء لحضرموت، ويؤمنون بأن مصلحة أهل حضرموت مقدمة على غيرها، ويتفانون في ذلك، دون التفكير بمكاسب من مال ومناصب.