محافظ حضرموت الجديد :
المغتربون ثروة. …فهل تستثمرها ؟
بقلم / أحمد باصهي
بعيداً عن السياسة ودهاليزها ومسوغات تغيير المحافظين والوكلاء والمسئولين وتعيينهم ومعايير ذلك التعيين سواء كانت حسب الإنتماء الحزبي أو الإحتماء بالنكف القبلي أو تنفيذاً للإستشارات والتوصيات المُلزِمة، يبقى الوطن لجميع أبنائه ومن حقهم الخوض في ما يٌصلح حاضره ويمهّد لمستقبل الأجيال فيه ، فبعيداً عن ذلك كله أتساءل بلسانٍ صادق وقلبٍ خافق بحبِ بلدي والشوقِ إليه والحلم بأن أراه في مصاف البلدان المتقدمة أو على الأقل لديه مشروع نهضوي يعمل وجميع أبنائه سواء كانوا داخل الوطن أم في المهجر من أجل بلوغه وإنجازه.
أما سؤالي الذي شوقتكم إليه فهو ؛ هل يستفيد المحافظ الجديد – وهو الذي أقسم اليمين بأن يرعى مصالح البلاد والعباد – من كل الأصول والموارد المتاحة ؟ للبدء في مسيرة تنموية ظافرة ، وأول هذه الأصول والموارد ؛ هو رأس المال البشري،حيث تزخر حضرموت بالعديد من الكفاءات والخبرات في كثير من المجالات.
وغنيٌ عن القول أن المغتربين يشكّلون رقماً صعبا ونسبةً ذاتَ وزن في النسيج المجتمعي والمورد البشري لتلك النهضة المنشودة وخصوصا الأجيال الشابة منهم الذين تلقوا تعليما جيدا والتحق بعضهم بكبريات الشركات في دول المهجر .
لذلك عملت كثيرٌ من الدول على الإستفادة من مواطنيها المغتربين معتبرةً إياهم قوةً ناعمة استطاعت توظيفها فيما يخدم برامج التنمية في بلدانهم الأصلية من خلال نسج شبكات وتأسيس منظمات تستفيد من الخبرات والكفاءات والبحوث والدراسات والأطروحات الجامعية في معالجة مشكلات الخدمات والتنمية، بل أنشأت البنوك والمؤسسات المالية والصناديق الإستثمارية للاستفادة من مدخراتهم وتوظيفها في مشاريع التنمية بعوائد مجزية تعود بالنفع على المغترب ووطنه على السواء.
وفي سبيل الترويج لهكذا سياسات وبرامج قدمت تلك الدول لمواطنيها المغتربين حزمة من الحوافز والمنافع التي ترفع من شأنهم إجتماعياً واقتصادياً كالإعفاءات الضريبية والخصومات في أسعار تذاكر الطيران وبعض الخدمات .
أثيوبيا مثالا على تلك الدول التي مافتئت تفتش عن مهاجريها في أنحاء العالم ،لتقدم لهم كثيراً من الحوافز للعودة إلى الوطن والاستثمار فيه والمشاركة في نهضته الفتية، بل أنشأت هيئة خاصة لذلك تحت مسمى وكالة المغتربين الإثيوبية EDA.
كما تقف الفلبين إلى جانب حقوق مواطنيها في الخارج والأهم من وجهة نظر مواطنيها المهاجرين هو المزايا التي يحصلون عليها، مثل المساعدة القانونية الشاملة وتحويل المعاشات التقاعدية لإستثمارهافي بلدهم الأصلي ومساعدتهم على العودة يوماً ما إلى وطنهم والاندماج فيه.
وهناك تجارب عربية في الأردن ومصر جديرة بالتأمل والدراسة في هذا الخصوص .
إنّ إنشاء وتأسيس هيئة أو وكالة حكومية تتبع ديوان المحافظة ويكون لها فرع أو فروع إذا لزم الأمر في باقي المديريات في الوادي والصحراء تتابع شؤون المغتربين وتنسق جهودهم ورؤاهم التنموية والإستثمارية وتشجع مساهماتهم ومشاريعهم التشاركية، بتيسير كافة السبل لها وتذليل جميع الصعاب لتجنبهم الابتزاز والطمع والتدليس الذي يواجهونه أحيانا من بني جلدتهم وشركائهم في الوطن سواء كانوا مسؤولين أو مواطنين عاديين، حيث واجه العائدون مؤخرا من مهاجرهم ممارسات غير لائقة وظروفا صعبة، حالت دون إندماجهم مرة أخرى في المجتمعات التي غادروها يوما من الأيام مجبرين لا مختارين ، فاضطروا مرة أخرى إلى أن يستأنفوا رحلة الاغتراب من جديد .
كما أن توافر المعلومات والإحصاءات الدقيقة وتداولها بمنتهى الشفافية، لتكون في متناول جميع المستثمرين، محليين أو مغتربين، يساعد في خلق بيئة نظيفة يعجز الفساد أن يصل إليها ، ويعمل على بناء الثقة بين المغتربين وحكومة بلادهم .
إن تغيير نظرتنا إلى المغترب من كونه مصدراً لتحويل الأموال فحسب إلى اعتباره رافدا من روافد التنمية أمر في غاية الأهمية في صناعة وعي رسمي ومجتمعي، حيث بإمكان المغتربين تقديم ما هو أكثر من التحويلات النقدية التي كسبوها من عمل أيديهم ، بل يمكنهم أيضاً نقل المعارف التي هي كسب العقول ، والاستثمارات المباشرة واستحداث الشبكات المهنية فهم يشكلون قوة فعّالة في نقل التكنولوجيا والابتكار والأفكار الخلّاقة فقد استطاع شابٌ مغربي إقناع شركة كندية لصناعة قطع غيار الطائرات في المغرب من خلال عمله في شركة بوينج وأسفرت جهوده عن إبرام صفقة إنشاء ذلك المصنع الذي تفاوضت عليه الحكومة المغربية بنفسها واستثمرت قوة تأثير مواطنها الطموح على صنّاع القرار في الشركة من خلال أبحاثه وإبداعاته في مجال عمله.
وهكذا يظلُ لدى كل إنسان قوة كامنة ودافع للعمل إذا وجد التحفيز والبيئة المناسبة والحكومة المخلصة التي تسعى بالفعل لا بالقول لخدمة شعبها ومواطنيها.
في نهاية المطاف أعلم أن أمام المحافظ الجديد أجنداتٍ مزدحمة في مقدمتها الكهرباء ثم الكهرباء التي أمست محدِداً أساسياً من محددات جدية ونزاهة كل مسئول جديد، ولكن لا يمنع ذلك من التذكير والتفكير بطرق جديدة للحصول على نتائج جديدة من الوجوه الجديدة التي نأمل أن تكون قراراتها رشيدة وعواقبها حميدة بإذن الله .