نحن والجنوبيون ولعنة القات
د. عبدالله سعيد باحاج
نحن الحضارمة سكان محافظة حضرموت شرقي الجمهورية اليمنية لنا موقف ورؤية من هذه الآفة العظمى التي تعصف بنا ، بل وبكل أنحاء وطننا الحضرمي وجمهوريتنا اليمنية أرضاً وإنسانا، ألا وهي تعاطي نبات القات ، والذي وضعته منظمة الصحة العالمية أخيرا ضمن طائفة المخدرات ، كما أن المؤتمر الإسلامي العالمي لمكافحة المسكرات والمخدرات الذي انعقد بالمدينة المنورة في عام ١٤٠٢هـ (١٩٨٢م) قد أكد على أن القات من المخدرات المحرمة شرعا ، حتى وإن صار تعاطيه في أراضي الجمهورية اليمنية مباحا بحكم القانون والأنظمة السائدة فيها ، فلا يجرم ولا يحاسب متعاطيه ولا زارعه ولا مروجه.
ويتلخص موقفنـا ورؤيتنـا فـي حضرموت من هذه الآفة الخبيثة في الرفض المطلق لـهـا جملة وتفصيلا ، حتى وإن حاول نفـر مـحـدود مـن نخبتنا الحضرمية جهلاً أو تعمداً فرضها علينا مستغلين في ذلك الظروف السائدة وضبابية الرؤية عند من لديهم مقاليد أمور البلاد والعباد. ونحن في ذلك نعبّر عن رأي السواد الأعظم من أبناء حضرموت الصابرين والصامتين دوما على كثير مما يعانونه من ويلات وأزمات في الماضي أو الحاضر.
ويأتي تأكيدنا على هذا الرفض للقات في حضرموت حماية لما تبقى من مقومات الحياة والاستقرار في الحاضر ، وحماية لأجيالنا القادمة، ولما قد يأتي به الغد من رحم الغيب والذي لا يعلم به سوی علام الغيوب تبارك وتعالى ، وهو المطلع على أبعاده وآثاره .
وفي أكثر من محاضرة عامـة لنـا بمقر اتحاد الأدباء والكتّاب بالمكلا وفي غيره حتى عام ٢٠١٥م ، ومنها تلك التي كانت بمقر هذا الاتحاد في ابريل ٢٠٠٧م كنـا قـد أشرنا إلى أن ما أقدم عليه الحزب الاشتراكي اليمني بقيادته ومكتبه السياسي ولجنته المركزية قبيل إعلان دولة الوحـدة وقيام الجمهورية اليمنية في ٢٢ مايو ۱۹۹۰م من موافقة على إزالة كافة الموانع القانونية والإجرائية لدخول القـات إلى حضرموت وكذلك إلى المهرة كان خطوة غير موفقة ، بل إنها كانت بمثابة الطعنة في ظهر حضرموت مهما قيل عن مبرراتها ودوافعها ، خاصة وأن حضرموت قد أسلمت أمرها لحكم الاشتراكي ومن قبله للجبهة القومية طيلة ربع قرن من الزمن ، وارتضت حكمه بمره وحلوه وما أقل الحلو فيه ، فكان جزاؤها من ذلك هو السماح بدخول القات إليها ليدمر شعبها وأرضها ، وهو ما لم تفعله سلطة الدولة القعيطية والدولة الكثيرية ونظام الحماية البريطانية فيهما.
وأصبح القات مع توابعه من أهم منابع البؤس والفقر والشقاء والمعاناة في حضرموت ، بل وفي غيرها من المحافظات.
والطريف في مسألة دخول القات إلى حضرموت والمهرة مع إعلان دولة الوحدة أن هذا القـات قـد دخل إلى حـات قبـل الوحدة بساعات . وحـات هذه بلدة في شرقي المهرة ومجاورة
للحدود مع سلطنة عمان وبها ثكنة عسكرية آنذاك.
ولو كانت لدينا مراكز محايدة لرصد واستطلاع الآراء لوجدنا كم هي النسبة الغالبة من أبناء حضرموت ممن يرفضون القات ولا يرون فيه غير البلاء والوباء وخسارة الحاضر وفقدان الأمل
في المستقبل.
أما ما يدعيه نفر من نخبتنا الثقافية أو الأكاديمية أو السياسية أو الاجتماعية أو الدينية أو غيرهم جهلا أو تجاهلا متعمدا بغير ذلك ، وما يروجون له من أكاذيب عن (محاسن القات) أو التهوين والتقليل من أضراره ، وكذلك ما يعتري نشاطهم من تقاعس وتقصير مشين ومذل في التصدي الجـاد والحـازم لوقف طغيان هذه الآفة العظمى فهذا شأنهم ، بل إنه يضعهم في منزلة أدنـى وأسفل، مهمـا علـت ثقافتهم ودرجاتهم العلمية ومراكزهم الاجتماعية.
وهم بلا شك ينطلقون من مصالحهم الضيقة والأنانية والمعروفة لدى الجميع ، وليس حبا وإخلاصا لمجتمعهم ، ولا سعيا صـادقا من أجل سلامته ، ولا نشدانا جادا لتنمية أوضاعه حاضرا ومستقبلا.
وهذا مما أفقد هؤلاء النفر المصداقية والقبول الحسن لـدى مجتمعنا ، حيث أصبح المعيار الحقيقي في رأينا بل وفي رأي الكثير من بسطاء الناس في حضرموت لمصداقية وجدية الفرد هي في موقفه الجاد من القات وتوابعه .
بل وصل الأمر أن أصبحت غالبية الأسر في حضرموت ترفض تزويج بناتها لمن يتعاطى القات مهمـا كـان مركزه الاجتماعي أو ثروته المالية أو مستوى تدينه الظاهري ، وخصوصا بعد أن أصبح الجميع يحرصون ظاهرياً على الأداء العلني للواجبات والشعائر الدينيـة مـن صلاة وصـوم وزكـاة وغيرها ، وكذلك بالامتناع الجهري عن شرب الخمر والزنا وبقية المنكرات التي نهى عنها ديننا الإسلامي الحنيف.
وكنا قد قلنـا وفي أكثر من مناسبة كتابة وشفاهة وفي محاضرات وفعاليات عدة أن الوقوف بحزم ووضوح في وجه هذه الآفة العظمى ، والتصدي الجدي لها ، ومقاومتهـا بكل أشكال المقاومة، وبما يصل إلى حـد الثورة الواعيـة بـلا عنـف أو تطرف ضد القات وتوابعه وآلياته المدمرة هو السبيل الناجع لتجنيب المجتمع والوطن الحضرمي العديد من الكوارث هي أتية لا محالة. ونسأل الله العلي القدير أن يبعدها عنا وعن مجتمعنا الحضرمي . ولا شك أن المعالجات الواقعية والمتدرجة جاهزة وحاضرة لمن أوتي النية الصادقة والمخلصة والمقدرة الحقيقية بعون الله عز وجل على فعل الخير للوطن وللناس أجمعين.
أما إخواننا الجنوبيون من ساكني المحافظات الجنوبية في الجمهورية اليمنية في عدن ولحج وأبين والضالع ، وكذلك ساكني المحافظات الأخرى في الجمهورية اليمنية ممن لا يرون رأينا هذا في كون القات آفة تدميرية للحاضر والمستقبل ، ولا يرن أنها تطفئ شمعة الأمل في غد مشرق ومستقر لهم ولأجيالهم من بعدهم فهذا شأنهم ، ولسنا أوصياء على أحد ، فإن أرادوا الخير وهم يعلمون بذلك – فلا شك في أنه في اتخاذ المواقف الصائبة والرؤية الصادقة لمواجهة القات لا للترويج له تحت ذرائع ومبررات لا تقنع ولا تفيـد ، وهم في الأخير أدرى الناس بمـضـاره وأخطاره ومآسيه ومخازيه ، بل وفي كيفية التخلص منه ، ولو بخطوة واحدة جادة. وكمـا يقـال أن بداية الغيث قطرة. ولم يعد خافيا على أحد أن القـات قـد أصبح لعنة ممقوتة ولا بد من السعي الصادق لإزالتها بعون الله عز وجل
المكلا – حي السلام
في ٢٨ فبراير ٢٠٢٣م