مجلس حضرموت الوطني بين اللعبة السياسية وفخ الصراعات الحزبية
بقلم / أحلام الكثيري
۳۰/ اکتوبر/۲۰۲۳م
“العلاقات الدولية لعبة، وإنها لعبة بكل معنى الكلمة، فهي لعبة لها لاعبوها، وقواعدها، ومبادئها، وقوانينها، ومخالفاتها، وعقوباتها، وربما حيلها وخداعها.”
مارك،،،
ظلت اللعبة السياسة في اليمن بين الأحزاب التقليدية، أشبه بلعبة الشطرنج، فلكل حزب دور حسب قدرته وامكانياته التي يمتلكها اللاعبين السياسيين، فبين اللعب و المناورة توجد أيضاً
مهارة تحريك الأحزاب كالبيادق التي تتحرك بخطوات سياسية فاعلة، تساعدها على الفوز وتحقيق المكاسب، بينما في الجانب الآخر من اللعبة هناك التيارات السياسية الحضرمية، والتي يمكن تصنيفها بالمتفرج المستفيد، من هذه اللعبة، فاللاعبين السـيـاسـيين شـمالاً وجنوبًا، ظلوا منهمكين خلال الثمان سنوات الماضية، في التفكير بنقل البيادق “الأحزاب”، ما بين مربع السـلطـة ومربع توسيع نطاق النفوذ الجغرافي لمواطن الثروات النفطيـة والمعدنية والبحرية، معززين بدائرة الفساد الإداري والسـياسـي، بينما الحوثي في مناطق نفوذه يتوسـع ويفرض سلطته الانقلابية متحكما عن بعد في تحريك البيادق هنا أو هناك بحسب المصالح والمنافع المتبادلة بينه وبين الفاعلين السياسيين في الأحزاب السياسية، ومن المعروف أن اللعبة السياسية ليست لها قاعدة ثابتة بل قواعد متغيرة، يمكن للأطراف المتفرجة والمراقبة عن كثب أن تحدث نوعا من التغيير.
فبعد إعلان الوحدة اليمنية عام ١٩٩٠م، صدر القانون رقم (66) لسنة ١٩٩١، بحيث تنص المادة (١٣) من القانون على تشكيل لجنة تسـمى لجنـة شـؤون الأحزاب والتنظيمات السياسية، في مارس ۱۹۹۲ م، حيث كان حزب المؤتمر الشعبي العام منذ ١٩٨٢حزب السلطة الحاكمة، وبعد الوحدة مع اليمن الجنوبي، تقاسم السلطة كلاً من الحزب الاشتراكي الذي كان تأسـيـسـه في عام ١٩٧٨ كامتداد لحركة القومين العرب في لبنان عام ١٩٤٨،
وحتى عام ١٩٩٣شـكـلـت في اليمن حكومة ائتلاف ثلاثي بين حزب الإصـلاح والحزب الاشـــــتراكي وحزب المؤتمر،* وتلتها تشـكيل عدة تيارات حزبية يمنية منذ عام 1995، والملاحظ منذ ذلك الوقت أنه لم يتم تشكيل حزب سياسي حضرمي كمثيله من الأحزاب اليمنية الشـمالية والجنوبية رغم تعدد ظهور الأحزاب، والذي عززه انخراط بعض الحضـارم أو
القيادات الحضرمية السياسية البارزة، في عضوية الأحزاب اليمنية بتنوع توجهاتها الحزبية الشمالية منها والجنوبية، والتي كان ظهورها السـياسـي مرتكز على المشاركة في اسـناد السلطة لبعض الشخصيات الحضرمية للمناصب الوزارية، فكان دورها سياسي مؤسسي لا حزب سياسي فاعل، بينما في شهر يوليو ۲۰۰٨م ، عندما “نظم ملتقى حضرموت التضامني موعداً لانعقاد مؤتمرا في قاعة الملكة بالمكلا، والذي كان يهدف إلى تشكيل مجلس (حكماء حضـرموت)، وقد ضـم في تكوينه الصـفوة من العلماء والمثقفين والمناصب والمقادمة والسياسيين والاقتصاديين والشخصيات البارزة من كافة فئات المجتمع في الداخل والخارج، لكن فوجئ الحضارم بالسلطة المحلية برئاسة محافظ حضرموت (الحضرمي) الأستاذ سالم الخنبشي، بمنع قيام المؤتمر، رغم توافقه مع الدستور والقوانين النافذة في اليمن! “*
ولكن بعد أحداث ٢٠١١، تم إنشـاء مجلس حضـرموت الأهلي، وتم خلاله إصـدار وثيقة “مؤتمر حضرموت.. الرؤية والمسـار”، والذي يتحدث عن دولة اتحادية يمكن أن تكون حضرموت إقليماً فيها ” كحد سياسي أدنى”، * بينما الوثيقة جوبهت بالرفض العلني من قبل حزب الرابطة والمؤتمر الشعبي العام.
وفي ديسمبر ۲۰۱۲ عقدت قيادات تكتل عصبة القوى الحضرمية والتي كانت تمارس مهامها من الرياض ،اجتماعاً ترأسـه الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبد اللطيف الزياني، مطالبين فيه “بحل عادل لقضـية حضـرموت وفق المعايير الدولية، وفي بيان صـدر خلال الاجتماع بتطبيق قرارات الأمم المتحدة” الصادرة عامي 1963 و1965″، والتي تنص على “حق تقرير المصير لشعب حضرموت،* ولكن تم تضيق الخناق عليه في حضرموت، من قبل السلطة اليمنية والمتنفذين من الأحزاب السياسية، فمارس مهامه في الرياض من خارج حضرموت، وتقلص دوره كتيار سـياسـي فاعل أنذاك، وفي نوفمبر۲۰١٢ تأسست “جبهة مستقبل حضرموت ” كامتداد لتيار سیاسی داخلی منبثقا من تبار سیاسی حضرمی دولی نشأ منذ ۱۹۷۲ حاملاً ملف قضية حضرموت، وقد قدم مشروع “الدولة الاتحادية وخصوصية إقليم حضـرموت”، ويبدو أنه يمتلك مقومات قد تحيله في وقت قريب إلى حزب سـيـاسـي
وفي يوليو ٢٠١٣ تم إعلان حلف أبناء وقبائل حضرموت، والذي نتج عنه تشكيل مؤتمر حضرموت الجامع في ٢٠١٦، ومنه انبثقت المرجعيات العشـر، والتي توافقت عليها أغلب المكونات والتيارات السياسية الحضرمية، ومن أبرز بنودها، أن تكون حضرموت إقليماً في الدولة الاتحادية، ولحضرموت حق تقرير المصير، وفي سبتمبر ۲۰۲۱ تم اشـهار حركة المستقلين الحضارم، كحركة حضرمية شعبية بدأت في ٢٠١٦ هدفها أن تكون لحضرموت سيادتها وكيانها المستقل، ومما لا شك فيه أنه ثمة حراك حضـرمي ظهر خلال الأعوام السـابقة، ولم يتســـنى لي ذكرها هنا ليس إجحافا، ولكن لعدم تمكني من إيجاد معلومات
ومصادر موثقة لها.
وفي مقال للكاتب والصحفي سـامي غالب كتب ” في جلسة قبل عقد بالتمام حضرها ثلاثة، كنت أحدهم، قال محمد قحطان القيادي البارز في الاصلاح والمختفي قســـريا منذ مارس 2015، إن استمرار الحزب الاشتراكي في الضغط على شركائه كان يشير الى – أحزاب اللقاء المشترك وخصوصا الإصلاح- بفيدرالية الاقليمين سيدفعنا الى قبول مطلب حضرموت في “اقلیم خاص بها !”*
برأي أن مقولة الأستاذ محمد قحطان، كنوع من الاسـتشـراف لمآلات الصراعات الحزبية السياسية في اليمن والمستمرة منذ عقود، وإن إشهار مجلس حضرموت الوطني، وقبله المرجعيات العشر لمؤتمر حضرموت الجامع، ليست سببا في مطالبة أبناء حضرموت بأن تكون حضرموت إقليما مستقلاً بذاته في اليمن الشمالي لا الجنوبي ، كما يدعي الانتقالي الجنوبي، بل كان نتيجة حتمية للصراع السياسي بين الأحزاب اليمنية التقليدية، وأن محاكمة النوايا والتهليل السياسي على سبيل الأمنيات، دائما ذا عواقب وخيمه، وحتى اللحظة لازالت الأزمة اليمنية في متاهة سياسية، فلن تتقبل الأحزاب التقليدية، أن تحول انتصاراتها على مدى عقود إلى هزيمة، فلطالما كانت تتصـدر المشهد السياسي في اليمن، غير أن جماعة الحوثي بتصدرهم للمشهد السياسي الإقليمي و الدولي قد ألحق الهزيمة بهم أيضا، وبدا لهم منتصرا في خطاباته وتهديداته، أمام المجتمع الدولي، وعليه فالحوثي لن يتقبل فكرة تحويل انتصاره إلى هزيمة أيضاً، وثمة مأزق أخر فالأحزاب السياسية التقليدية، تريد منع تصـدّر مجلس حضرموت الوطني كتيار سـياسـي حضـرمي يمثل حضرموت، وكذلك الانتقالي يريد تثبيت موقعه في المعادلة السياسية الجنوبية، بينما تعد استثنائية هذه اللحظة السياسية لدى الحضـارم، والتي لم تحدث منذ عقود من الزمن هي الفارقة، فهل ثمة معادلة سياسية بين المكونات الحضرمية في مجلس حضـرموت الوطني؛ لإحداث خرق بين الجدارين الشـمالي والجنوبي، بإيجاد ثغرة سياسية من هنا وثغرة من هنا وإحداث تسوية سياسية في اليمن؟ هل أتى وقتها؟
أم أن ثمة أصوات حزبية ستردد فلنضحي بالدولة الاتحادية بالقضاء على مجلس حضرموت الوطني؟! الجواب هل القضاء على المجلس أم القضاء على سيادة قرار حضرموت؟
سـؤال آخر لمراكز القرار الإقليمي، الدولي واليمني بشكل عام، وللشعب الحضرمي بشكل خاص، هل علينا كأبناء حضرموت أن نضحي بحضرموت؟ هل علينا كحضارم أن نحدث حالة
ضغط عبر الشارع الحضرمي بتبنّي المظاهرات، بعد استنفاذ أكثر من لقاء ومؤتمر وإصدار بيانات؟ أم بتأسيس قوة فاعلة سياسيا، كقاعدة ارتكاز صلبة، لمجلس حضرموت الوطني؟
ومالم يتم التوافق عليه في المشاورات اليمنية في الرياض بين الفرقاء السياسيين، سيتم التوافق عليه، خصـوصـا وأن حضـرموت، لا ترفض أن تكون إقليما في دولة اتحادية في
اليمن، ولكنها ترفض أن تمثلها أحزاب سياسية شمالية أو جنوبية؛ لخلق صراع بين أبنائها المنتمين لهذا الحزب أو ذاك الحزب، فحق تقرير مصــر حضـرموت، موکل به جميع الفئات
من أبناء المجتمع الحضرمي.
فهل مجلس حضرموت الوطني قد استدرك قواعد اللعبة السياسية، وسيعمل جاهدا على ملف قضية حضرموت وتطويرها؟، فمراحل التغيرات المتسارعة في المنطقة العربية، قد تمنع من أن تكون للعملية السياسية في اليمن قواعد ثابتة خارج الإطار الأكاديمي المحلي والإقليمي والدولي، وعلى الفواعل السـياســية كمراقبين للأحداث في المنطقة أن يكونوا أكثر تركيزاً وتحقيقاً لمصالح الشعب في جغرافيا اليمن، وتبادل المصالح والمنافع سياسيا، اقتصـاديا، وأمنيا مع مصالح اللاعبين الإقليمين والدوليين.
➖️➖️➖️➖️➖️➖️➖️
الهوامش،،،
_مارك أمستيوز، قواعد اللعبة ” الكتاب الرائد في العلاقات الدولية.”
_د. أثير ناظم الجاسور ، “فهم قواعد اللعبة السياسية” صحيفة المدى، العدد ٥٥٣٨.
_موقع مركز المعلومات الوطني ” للجمهورية اليمنية “.
_محمد أحمد بالفخر، “من عين ون إلى العيون 3″، عدن الغد، يناير ۲۰۲۲
_جبهة مسـتقبل حضـرموت، “مشــروع الدولة الاتحادية وخصـوصـيـة إقليم حضرموت”الحساب الرسمي تويتر.
_الكاتب سامي غالب، “الرابح والخاسر من لقاء حضرموت”، صحيفة النداء، يونيو