كأني رأيتُك منذُ 30 عاما !!
بقلم / أحمد باصهي
كم هو مثقلٌ وطننا الكبير بالجراح والأتراح ، لكني اخترتُ تسليط أشعة التحليل والتقصي على حضرموت فقط ربّما من باب ما لا يُدرك جلُّه لا يُترك كلُه . والأمل يحدوني ويشدُّ من عزمي لبلوغ ما أطمح ُ اليه من رؤية وطنٍ قوي وشعبٍ فتي يركضُ بهمة عالية من رُقيٍ الى رُقي .
كثيرا ما أتابع المتصدرين للمشهد الثقافي والإعلامي بل والمشهد العام بصورة أشمل فيحزنني الإقصاء المتعمّد لكل وجه جديد وعزم حديد من شبابنا المجيد، ويتمترس الآباء القائمين على منصات المشهد العام خلف مواقعهم لا يبرحونها مبدين مقاومة شرسة ومناعة عنيدة لكل أسباب الإنزواء والأنسحاب وأعراض الشيخوخة وذبول الشباب حتى وإن حامت حولهم الأمراض وخارت منهم القوى ، فأرثي حال جيل شبابنا المنتظر وأتعاطف معهم إزاء تمنُّع الآباء وتأبيهم عن تسليم رآيات الحياة من السلف الى الخلف وتداول الوظائف من جيل الى جيل .
فهل يظن أباؤنا الأفاضل وإخواننا المحترمون أن الحياة لم تَجُد ْ بغيرهم وأنهم قد خُلقوا للمراحل كلها وأنّ لا نصر ولا نجاح بدونهم هل يا تُرى يدركون أن ّهذا الطبع اليابس البائس
سبّب لنا تصلُّباً في شرايين حياتنا الثقافية والإجتماعية والسياسية، تمثلت أعراضه في هذا الهزال الذي نراه في طول بلادنا وعرضها وهو ما ينتقده الأولون والآخرون منا !
تخيلتُ لو أنّ سائحا أوربيا أو عربيا زار حضرموت في سبعينيات القرن الماضي ثم عادت به سانحة أخرى وحرّكه شوقٌ دفين لأسرار حضرموتنا الغامضة، فما الذي ممكن أن يعبّر عنه عندما تطأ قدماه أرضنا ليُفاجأ بنفس الأشخاص الذين استقبلوه قبل عقدين ونصف من الزمن ويستمع الى تكرار السردية نفسها الذي سمعها آنذاك فيعجب أيّما إعجاب ! ويُدهش دهشة المُنكِر -وحُقَ له ذلك – إذ لا يمكن تصوّر بلدا تزخر بالشباب والطاقات البشرية المتجددة والمتعددة وتعاني من هذا الإنسداد القيادي والقطيعة الواضحة بين أجيال المجتمع .
إنّ احتكار المعرفة والسطو على المعلومة والتوزيع غير العادل لتدفق المعلومات أيا كانت طبيعتها تاريخية أو استثمارية وحصول أشخاص دون سواهم على هذه المعلومة أو تلك هو احتكار مشين يجب أن يصحح بترسيخ قيم العدالة الشاملة وتفعيل مبدأ تكافؤ الفرص وليس استغلالها الشخصي أو توريثها للأبناء والأحفاد لتبقى صورة مشهدنا الثقافي والإعلامي والمشهد العام ككل حِكراً على ذلك الشخص الذي لو رآه زائر من زوار بلادنا واستمع اليه وهو يشرح مزايا حضرموت ومعالمها ويتصدر أنشطتها وفعالياتها ويتحدث باسم شعبها وأحزابها لتبادر الى ذهنه أنّ في حضرموت فقط ممكن أن يعيد التاريخ نفسه وأن الحضرمي دون سواه من البشر ممكن أن يعيش اللحظة مرتين وأن أزماتنا مركّبة عميقة فغير أزمة الوعي لدينا أزمة صراع أجيال لا يسمح السابق بمرور اللاحق بل إنه لا يسمح لجيل الشباب من بعده أن يشاركوه أي مهمة مهما تضاءلت من مهام الإعداد والحديث والإرشاد حتى يكاد أن يقول له من يراه اليوم متصدرا المشهد كأني رأيتُك منذ ثلاثين عاما ً .