الإثنين , فبراير 3 2025

الكرامة فوقَ المناصب..

الكرامة فوقَ المناصب..

للكاتب/فيصل الكثيري

إنّ الرجال يُختبرون في المحن، وتتكشف معادنهم حين يشتد البلاء، فهناك من يبيع مواقفه بثمنٍ بخس، ومن يثبتُ على درب العدل كالجبل الراسخ، لا تهزه العواصف، ولا ينحني أمام سطوة الطغيان. وعندما تتحول السلطة من أمانةٍ إلى سيفٍ مسلولٍ بيد الظالمين، يصبح الصمت خيانة، ويغدو الدفاع عن الحق واجبا لا يحتمل التأجيل.

ما جرى للشيخ عبدالرحمن عيضة بلفاس الكثيري ليس حدثا عابرا يُنسى مع الأيام، بل هو شاهدٌ على زمنٍ يُطوّع فيه القانون وفق الأهواء، وتُغتال فيه العدالة على مذبح المصالح الشخصية. ففي مشهدٍ يُعيد إلى الأذهان عصور الاستبداد، وجد الشيخ بلفاس نفسه محاصرا برجالٍ لا يحملون صكّا قضائيّا، بل أوامرَ جائرة لا سند لها سوى نزوات السلطة. لم تكن هناك أدلةٌ تدينه، ولا محكمةٌ أنصفته، بل كان هناك قرارٌ مسبقٌ بالتنكيل به، وكأن الرجولة عند البعض تُقاس بمدى القدرة على قهر الأحرار، لا بإقامة العدل!

إنّ القبائل لم تكن يومًا معقلًا للفوضى، لكنها ليست حقلا تُمارس فيه استعراضات القمع، فالدولة العادلة تُبنى بالقانون، لا بسطوة الأهواء، وهيبة القضاء تكمن في نزاهته، لا في كونه أداةً للتنكيل بالمخالفين. وإذا كان الشيخ بلفاس قد أخطأ – إن كان ثمة خطأ – فليس لأحدٍ أن يُدينه سوى القضاء العادل، لا قراراتٌ تُصنع في ظلمة المكاتب المغلقة، وتُنفذ بليلٍ بلا محاكمةٍ ولا إنصاف.

إنَّ الكرامةَ ليست مِنّةً تُوهب ولا امتيازا يُمنح، بل هي جوهر الإنسان، وحين تُنتهك، فإن ذلك لا يُعد اعتداءً على فردٍ فحسب، بل على قيم العدل والمروءة برمتها. وليس أخطر على الأمم من أن يُصبح القهرُ سياسة، وأن يتحول الظلم إلى نهجٍ مألوف، يُمَجَّد فيه القوي ويُسحق فيه الضعيف.

لقد كان الأولى بأهل السلطة أن يكونوا ميزان عدلٍ لا سوط بطش، وأن يدركوا أن المناصب ليست دروعًا تحميهم من حساب التاريخ. وكان الأجدر بالدولة أن تعي أن القبائل ليست إرثًا جاهليا، بل مكونا اجتماعيا أصيلًا يُدرك حقوقه، ويدافع عنها، ولا يرضى أن يُداس شرف أبنائه تحت أقدام المستبدين.

إنّ قبيلة آل كثير لم تكن يوما بوقا للباطل، ولم تُدافع عن فاسدٍ أثبت القضاء جرمه، لكنها في الوقت ذاته لا يمكن أن تقف متفرجةً أمام استغلال السلطة في إذلال رجالها. فالتاريخ ذاكرةٌ لا تُمحى، ولن ينسى الناس من استخدموا نفوذهم لإخماد أصوات الحق، كما لن ينسوا أولئك الذين وقفوا بشرفٍ في وجه الطغيان.

يا أهل المروءة، يا من تؤمنون بأنَّ الظلمَ مؤقتٌ وإن طال، وأنَّ القوة بلا عدلٍ ضعفٌ وإن تجبرت، لا تفرطوا في صوتكم، ولا تخنعوا لقهرٍ يراد له أن يكون قدرًا محتومًا. فإنَّ السكوتَ عن الظلم يُطيل عمره، والرضا به يُكرسه كواقعٍ يُراد لنا أن نقبله.

الشيخ عبدالرحمن بلفاس الكثيري ليس فردًا يُعاقَب، بل رمزٌ لقضيةٍ أكبر: قضية الكرامة أمام استبداد السلطة. فإما أن تنتصر العدالة، وإما أن يسقط الجميع في وحل الطغيان، حيث يُصبح القانون زينةً للخطابات، وتُمحى حقوق الرجال تحت سنابك الطغاة.

أيها المسؤولون، لا تظنوا أن القوة تدوم، ولا تحسبوا أن الهيمنة تُغنيكم عن عدالة التاريخ. فمهما امتدَّ ليل الظلم، لا بد أن يُشرق فجر الإنصاف. ومن يزرع الاستبداد اليوم، سيحصد انتفاضة الحق غدًا، وحينها لن تجدوا من يحميكم من حساب الأحرار.

عن ادارة التحرير

Avatar

شاهد أيضاً

الصراعات الداخلية في حضرموت: جذورها وآفاق الحل

الصراعات الداخلية في حضرموت: جذورها وآفاق الحل للكاتب/ فيصل الكثيري حضرموت، هذه المحافظة ذات العمق …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *