لماذا ندرس التاريخ؟
ليصنعوا من الأصفار أرقاماً وتاريخاً
(لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)
هذه الآية الكريمة تلخص لك جواب السؤال الذي أضعه عنوانا للمقال
التاريخ علم شائك مليء بالأعاجيب وكل ماهو قد نراه لأول وهلة غريب، لكن هذا الغريب والعجيب نجده يتكرر في كل زمان، وكأن لسان الحال أنّ التكرار في الحوادث والأفعال لو تغيرت الأشخاص والأسماء لأن الإنسان هو الإنسان!
الإنسان هو الذي عاش قبل مئات السنين هو الإنسان الذي يعيش في هذا الزمان ستجد منه الصالح والطالح وماهو بينهما !
ستجد مَن هم نموذج للنزاهة والصلاح والتقى والصدق والإنصاف وستجد من هم نموذج للفساد والضلال والإجرام وأكل أموال الناس
تعرف أهمية التاريخ حين تعرف أنّ التأمل فيه قد يجعل الإنسان يسعى للاقتداء بمن كانوا أئمة الهدى والتّقى { أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده} ويحذّر ممن لم يتفكروا في الواقع ولم ينتفعوا من التاريخ، مثل من قال الله عنهم حين قال لهم نبيهم { وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ} فانتهى حالهم إلى أن قال الله عنهم لِمَن بعدهم
{وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ }.
*هذه الأمور لا يمكن أن يفهمها من لا ينتفع من التاريخ ويعتبر بمن مضى ويسعى للاقتداء بالناجحين الصالحين منهم ويحذر من حال من ساء منقلبهم ومصيرهم*
لتعرف أهمية التاريخ عليك أن تعرف أنّ ثُلث القرآن تاريخ للأمم السابقة !
وقد كرر الله في كتابه بعض الأحداث التي ذكرت في عدة مواضع من القرآن الكريم لتكون هذه الأحداث والقصص الماضية عبرة لمن أراد الحق من زمن الرسول صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة.
والحقيقة إنّ علم التاريخ مع سهولته فهو من أصعب العلوم، فهو يحتاج للمحلل الموسوعي الناقد الذي يقرأ الأخبار ويقارنها ويبحث عن من قالها، ومن خلالها يعرف ويميز أحوال من قبله وكلما زادت المراجع عن حقبة معينة استطاع بمقارناته وتحليلاته تمييز ماهو صائب منها وخاطىء، وعن منطقية حدوثه وعن استحالة أن تكون حادثة قد كانت، ومَن الراوي الدقيق في نقله والرواي المشكوك في حفظه وأمانته ؟ ومن هو المنطلق من حيادية وإنصاف، ومن هو الذي يبحث عن أمجاد بالتسلق على أكتاف من في القبور ليظهر بطولات من خيال أو وهم !
ستجد من لا يرى في التاريخ إلا الصراعات والنزاعات ويتقصى أخبارها بحكمها الأحداث السياسية فيظن من جاء بعده أن البشر يقتتلون في كل ثانية ودقيقة ! ولا يعلم أن الاقتتال المذكور هو في وقت معين في مناطق معينة وهناك مناطق أخرى في ذلك الوقت كانت في رخاء ويسر ليتبدل حال هؤلاء أمنا وحال أولئك خوفاً وهكذا الحياة.
وتجد آخر يرى التاريخ من قصيدة أديب كان شاعرها يبالغ في وصفه في مدحه أو ذمه أو تشخيصه فيظن أنه حال كل من عاش في ذاك الزمان ويظن أنه المذياع الناقل للأحداث كما كان !
وستجد من يعتقد أنه إذا كان ينتسب إلى رجل له أدوار بارزة أو قيادية فهذي كافية ليكون له مكانة خاصة، ولا يعلم هذا المسكين أن جده لم يبرز بصفات أجداده بل بأفعاله التي أورَثت لأحفاده مكانة مجتمعية قد يكونوا أهلا لها وقد يكونوا عالة عليها، ومن أسباب زوالها عنهم ويورثوا لأحفادهم مجدا ضائعا أو هوانا شائع فيتعود عليه من يتعود ويأباه من يأباه ليصنعوا من الأصفار أرقاماً وتاريخاً تحفظه الأجيال وتتلوه جيلاً بعد جيلاً
التاريخ علم يصعب لمقال أن يستوعب شرحه بل تعجز المجلدات المتتابعة أن تحصر دراسته والغوص في أعماقه
التاريخ هو { تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ۖ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ ۖ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ }
فلا يصح أن يأتي أحدهم ليحقر ويقلل ممن ضل أو ساء حال أسلافه أو قل جاه ومال وشأن آبائه!!!
فإن المعايير السابقة قد لا تكون دقيقة فقد يٌقلل من أحدهم ليس لأنه يستحق التقليل بل لأن ماله قليل! أو يتناقلوا ازدراءه لأنه ابُتلي بألسن ظالمة افترت عليه في حياته وبعد مماته! أو يتنازعوا في مصيره وهو عبد توجه إلى خالقه وهو من سيحاسبه وليس هم!
خاتمة
ْ*التاريخ علم إذا كنت تنظر إليه بنظرة سطحية فستعتقد أنك أدركت أسراره وأخباره لمجرد وهلة لكن كلما تعمقت فيه شعرت أنك لم تتجاوز هذا السطح!*
عبد الإله بن سعيد بن عيلي