فساد الأراضي المنظّم
■ مقال / فائز الصيعري
تضمنت وثائق الأراضي المصروفة للمواطنين “طرف ثاني” ، من قبل مكاتب الإسكان والعقار “طرف أول” ، التابعة لوزارة الإسكان ، بعقود انتفاع الفقرات التالية :
1 – يتعهد الطرف الثاني بالشروع في إقامة المبنى خلال سنة منذ يوم توقيع العقد على أن ينتهي من البناء خلال ثلاث سنوات منذ يوم البدء بالأعمال .
2 – يحق للطرف الأول سحب وإلغاء عقد الانتفاع وفقا للطرق القانونية عند إخلال الطرف الثاني بأحد بنود العقد .
وعليه فإن من حق الدولة قانونا ، سحب وإلغاء عقود الانتفاع ، لمئات المخططات ، وآلاف الأراضي المصروفة ، والتي لم يلتزم أصحابها ببنود العقد المبرم كما جاء في تلك الوثائق .
فالملاحظ للناظر على المساحات الشاسعة ، على طول وعرض البلاد ، وجود مئات الآلاف من الأراضي التي صُرفت ، فيما لم يتم الشروع في بناء إلا النزر اليسير منها فقط ، وكثير منها أصبحت مرتعا للمتاجرة في سوق البيع والشراء ، وبذلك فإن الجشع الذي رافق تلك العملية مايشيب منه الولدان ، فهناك مخططات بكاملها صُرفت لذوي الحظوة والأقارب والأصهار ، وبنات العم وأبنائهن ممن لم يبلغوا الحلم حتى !!
وبما أن الشيء بالشيءُ يذكر، فقد أخبرني أحد الدلالين ، أن صهر أحد المهندسين باع اثنتي عشرة قطعة أرض لوحده !!
أما المساحات الكبيرة والتي صُرفت بغرض الاستثمار ، فكانت أكذوبة كبرى ، وهي أحد أوكار الفساد المنظم ، حتى أصبحت اليوم مكان لغسيل الأموال المشبوهة ، ومازالت تنتقل من شخص إلى آخر وهي قفراء جرداء فلا استثمار ولايحزنون .!!
إن مايجري في قطاع الأراضي في حضرموت ، يُدمي القلب حقا ، فعندما أشاهد صباحا عشرات آلاف الطلاب ، وهم يتوجهون إلى مدارسهم ، يعتريني الألم والحسرة على مستقبل هؤلاء الذين أضعنا حقهم في أن يحصل أحدهم مستقبلا على قطعة أرض يبني عليها مسكنا ، فلم يعد لهم إلا رؤوس الجبال ليسكنوها .!
بل إن ذلك الفساد المنظم والذي حدث عقب تحول الدولة من الاشتراكية قبل الوحدة ، والتي كانت تنزع الملكية الخاصة وتغتصبها من يد صاحبها ، إلى الرأسمالية بعد الوحدة حيث فرطت في كل شيء ، وتركت الحبل على غارب الفاسدين يعيثون فسادا في الأرض ، فضيعوا حقنا وحق أبنائنا وأحفادنا .
ومما لاشك فيه أن أزمة الأراضي التي نعيشها ، وغلاء أسعارها الخيالية ، في بلد يقع في ذيل قائمة الدول من حيث الخدمات ، هو نتاج ذلك الفساد المنظم .
ويرتبط بذلك بشكل مباشر ، ارتفاع أسعار إيجارات الشقق لدينا ، فقد عاد الكثير منا من دول الاغتراب ، حيث وجد أن الأرض جميعا قد قطعت وصرفت وركنت ، فلا طاقة له بشرائها ، وبناء مسكن يأوي إليه هو وعائلته ، فاضطر للسكن بالإيجار ، فزاد الطلب على العرض ، فارتفعت الإيجارات بشكل جنوني ، بالإضافة إلى عوامل أخرى منها توقف البناء والعمران والاستثمار في ذلك المجال ، وعدم تمدد المدن أو ظهور مدن جديدة .
بينما ذلك المغترب مواطن ومن حقه الحصول على قطعة أرض كغيره ، وعندما علا صوته مطالبا بذلك ، عملت له السلطة “دهن خالة” ووعدته ومنّته وتشدّقت بخدمته ثم مالبثت أن تخلّت عنه ونسيت أمره .
إن الفساد الذي نعانيه في الأراضي قد جر علينا كل أنواع البلاء ، من أكل أموال الناس بالباطل ، والرشوة ، وسقوط الأخلاق ، والتزوير ، والقتل وغيرها ..
وعلى المصلحين الناصحين ، القائمين على شؤون هذا البلد ، إن بقي منهم أحد في مقام المسؤولية ، أن يطبّق ماجاء في عقود الانتفاع ، ويوقف عمليات البيع والشراء والتصديق عليها ، وسيجد أن مئات الآلاف من الأراضي ستعود الى ملكية الدولة من جديد ، وهي حق للأجيال القادمة ، وسينتهي بذلك احتكار فئة معينة من الناس لتلك الأراضي والمتاجرة بها دون وجه حق .
أما المهندسون والمسؤولون الفاسدون وكل من تدور حوله شبه فساد ، فيجب التحقيق معهم ثم جرُّهم إلى المحاكم علنا ، وهناك تكون الكلمة الفصل .