الخميس , ديسمبر 26 2024

الحضارم .. بين الهوى والهوية ..

 

الحضارم .. بين الهوى والهوية ..

▪️مقال للأستاذ /أبوبكر حسن

قبل الكلام عن الهوية يجب أن يُفهم التالي : ليست الدعوة الى الهوية عنصرية قطعاً .. فالهوية لا تعدو عن كونها عنوانا جامعا يسمح لمجموعة من الناس الذين يمتلكون مشتركات ثقافية ـ بالأساس ـ وربما أيضا اجتماعية وجغرافية بالعمل المشترك بمستوى متقدم وسلس في سبيل التنمية والبناء والتقدم في مجالات الحياة المادية والروحية وكل ذلك ضمن المجتمع الإنساني الكبير ..

وأي هوية بالضرورة منه وإليه فلا يجب أن تفهم الهوية أنها عنصرية بل هي أداة من أدوات التطور والتقدم الإنساني مع الحفاظ بالتأكيد على مبدأ التوازن وعدم الإفراط والتفريط ونبذ ما قد يحصل من أخطاء باسم الهوية من سلوكيات خطيرة كالعنصرية والأنانية والغرور ، وبمجرد تجاوز هذه فلا تكون الهوية إلا أداة إنسانية بنّاءة من أدوات تنظيم المجتمع الإنساني الكبير ..

وعليه نعود للهوية الحضرمية .. لم تكن الهوية الحضرمية يوما إلا رمزا للسلم الاجتماعي والتنمية الاقتصادية الاجتماعية والعمل الدؤوب والحوار بالكلمة الحسنة مع الآخر وقد أثبتت نجاعتها في أزمان سابقة حين ازدهرت حتى بلغت الذرى واخترقت الآفاق وركبت البحار وقطعت الجبال والصحارى وأوصلت أنموذجها المعرفي والاجتماعي إلى أقاصي الأرض في شرق آسيا والهند وعلى امتداد القارة الأفريقية ..، ولم تتحرك الهوية الحضرمية على أساس أنها حركة معرفية تنظيرية فقط بعيدة عن واقع الحال والعالم المادي ومعيشة الناس بل كانت مزيجا بديعا بين الجانب المادي الذي تمثل عند الحضارم في تجارتهم التي بلغوا بها الآفاق والمجتمعات والبيئات المتعددة والمختلفة والجانب الروحي الذي تمثل في قيمهم الدينية والاجتماعية والتي لا تزال شعوب بأكملها تشهد على ذلك بها حتى اليوم والليلة ..

وما يلفت النظر حقيقةً عظمة سمة التعايش التي امتلكتها الهوية الحضرمية حتى لم يحل بينها وبين الناس لغة ولا دين ولا عرق ولا ثقافة ولا مجتمع .. بل عايشت الجميع واندمجت فيهم ودمجتهم فيها دون أن تقول هذا أفريقي أو هذا آسيوي أو هذا هندي أو أن تجعل أيا من أديانهم وثقافاتهم حاجزا بينها وبينهم ..
ولكن ..
هل بالضرورة أن كل من انتمى للجغرافيا الحضرمية أو المجتمع الحضرمي كان ضمن نطاق الهوية الحضرمية ؟
بالتأكيد لا ..
فالهوية دائما ما تكون خلطا بين المجتمع والجغرافيا مع ثقافة أصيلة وحزمة من القيم الاجتماعية والمعرفية وليس مجرد جغرافيا عقيمة أو مجتمع عقيم ..
إن كل من يتكلم باسم حضرموت أو لأجلها من دون أن تتجلى فيه ما في الثقافة الحضرمية من تواضع وتعايش مع الآخر وعمل دؤوب وانفتاح – وكلها صفات إنسانية نبيلة ـ فلا يمكن أن يكون ضمن الهوية الحضرمية التي ربطت القيم بالجغرافيا والمجتمع ولا يعدو عن كونه يمتلك الهوى أي فقط التعصب لعنوان واسم وقشر دون الوصول لمضمون الهوية الحضرمية كما قال عز وجل: ﴿أَرَأَيتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنتَ تَكونُ عَلَيهِ وَكيلًا﴾

وعليه إذا أراد الحضارم حقوق حضرموت فليس من طريق سوى الالتفاف حول هذه الهوية أي ربط الجغرافيا والمجتمع بقيم الهوية كما فعل السابقون ممن حملوا هذه الهوية وقدموا دورا إيجابيا عظيما على مستوى العالم ككل وليس على المستوى المحلي فقط ..
والإكتفاء بقول “كان أبي وكان جدي ..” لا يعدو كونه مضيعة للوقت مالم نطبق ونستحضر تلك القيم التي صنعت نجاحاتهم التي نتغنى بها ..، والاكتفاء بالتغني بأعمال أناس آخرين مضوا دون أن نصنع نحن نموذجنا الخاص بنا فلا يعدو عن كون ذلك عتهاً فكرياً وضرباً من أنواع الجنون ..

وعليه وفي هذه اللحظة التاريخية على الحضارم أن يستحضروا الهوية .. وليس فقط من أجلهم بل كذلك لأجل من حولنا ممن نشترك معهم في هويات جامعة أوسع كالهوية اليمنية ومن ثم العربية فبإمكان حضرموت أن تكون شرارة تغيير لكل اليمنيين بل وحتى أنموذجاً عربياً وإنسانياً .. ولكن كل ذلك حبيس قدرتنا على التخلص من الهوى واستدعاء الهوية ..

ولا يجب أن ننسى أن ننتبه من المفاهيم العنصرية التي قد تدخل عن حسن نية ، فأقصر طريق للقضاء على هوية ما هو بجعلها عنصرية وإضعاف قدرتها على التعايش والعمل المشترك مع الآخرين والانفتاح لهم ..، بل يجب أن نتذكر دائما أن الهوية أداة إيجابية من أدوات التطور الإنساني وأداته الرئيسية في إثراء الثقافة الإنسانية ..

عن ادارة التحرير

Avatar

شاهد أيضاً

ال 30من نوفمبر وكذبة الاستقلال

ال 30من نوفمبر وكذبة الاستقلال ماذا قال أبناء حضرموت عن يوم الثلاثين من نوفمبر ؟ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *