ما حدث صبيحة يوم السابع عشر من سبتمبر
ــ الجزء الثاني
عودة السلاطين من ميناء المكلا وسقوط السلطنات
▪️مقال للأستاذ/ محمد محفوظ بن سميدع
مع تباشير فجر يوم السابع عشر من سبتمبر 1967م كانت الباخرة التي تقل سلاطين حضرموت تستعد للرسو في ميناء المكلا ولم يكن ركابها يعلمون بما يجري على بر حضرموت كانت آمالهم تعانق السماء للنهوض بالدولة الحضرمية والبدء بتاريخ جديد يحمل معه بشائر الخير لحضرموت.
وكان سكان مدينة المكلا يلتزمون بيوتهم بينما كانت وحدات من الجيش قد بدأت بالانتشار في المدينة منذ الفجر لتنفيذ ما اتفق عليه بين بعض قيادات الجيش الموالين لتنظيم الجبهة القومية وقيادة الجبهة القومية في مساء يوم السادس عشر وتقدمت مصفحتين تتبع جيش البادية الحضرمي نحو الميناء مع قوة عسكرية رابطت في الميناء في انتظار رسو الباخرة التي وصلت عند حوالي الساعه السادسه صباحاً .
صعد إلى الباخرة عدد من أعضاء تنظيم الجبهة القومية منهم سالم علي الكندي، وعبدالرحيم عتيق، وصلاح مرسال، وصالح بن عون، يحملون رسالة للسلاطين بأن الأمر قد قضي وعليهم الرحيل مالم سيتم ضرب الباخرة بالمدفعية من الميناء وعندها فوجئ من كان بالسفينة وحاول السلاطين المراوغة بقصد الخروج للبر لكن وفد الجبهة القومية أصر على طلبه بمغادرة السلاطين وطال بينهم الأخذ والرد..
فجأة وصل إلى مقر قيادة الجبهة القومية أحد الضباط وطلب منهم السماح له بالصعود إلى الباخرة بغرض إقناع السلطان غالب وشرح الموقف له كونه يجيد التحدث باللغة الهندية وافقت قيادة الجبهة وكلّف أحد الأعضاء بالذهاب إلى الميناء والصعود إلى الباخرة آملين منه إقناع السلطان ولم يكونوا يعلمون بأنه يحمل رسالة أخرى للسلطان من أنصاره بالمكلا وإقناعه بالخروج بأي طريقة للبر حتى يتم التحرك لنصرته.
وبالفعل صعد إلى الباخرة وتحدث مع السلطان غالب حسب ما روى الحاضرون معهم ولم يعرف ما دار بين الاثنين سوى أن السلطان غالب بعدها وافق على العودة من حيث أتى…
مع العلم أن الحقيقة لم يكن في ميناء المكلا مدفعية غير المصفحتين من نوع …. التي ليس بمقدورها ضرب الباخرة واغراقها إنما كان تهديد فقط..!!
وعاد الوفد إلى الميناء وبدأت الباخرة بالتحرك وعندها أصيب أنصار السلطان غالب بخيبة أمل كبيرة …ويقال إن السلاطين اقتنعوا بالعودة ومغادرة البلاد حفاظاً على أن لا تكون هناك فتنة واقتتال وسفك الدماء مع التأكيد أن خروج السلاطين كان سيحفظ حضرموت وأهلها مما آلت إليه الأمور فيما بعد.
وحتمأ سينتصر السلطان وأنصاره لأن خروجه سيحفز أنصاره أو حتى تم إغراق الباخرة هذا سيثير حميّة أنصارهم ومحبيهم الذين سيندفعون بكل قوة للقضاء على التمرد والفتنة والانقلاب، وقد تكون هناك خسائر في الأرواح والممتلكات وغيرها لكنها لا تقارن بما حدث فيما بعد في حضرموت من سفك الدماء وانتهاك للحرمات ونهب أموال الناس كل ذلك حصل بعد استيلاء الجبهة القومية على السلطة ولفترة 23عام وضياع الهوية الحضرمية والتاريخ والانتماء الحضرمي كل ذلك كان ممكن تداركه لولا ….
كانت مدينة المكلا صباح ذلك اليوم وبعد مغادرة سفينة السلاطين يسودها الهدوء والحذر الشديد وبدأت القيادة الجديدة ترتيب أوراقها بعد أن اطمأنت بعد مغادرة سفينة السلاطين وتم تشكيل اللجنة العليا برئاسة فيصل بن شملان وعدد من أعضاء تنظيم الجبهة القومية وقيادة القوات المسلحة الموالين للجبهة القومية بينما بقيت قيادة لجنة الطوارئ السابقة السكرتير الحربي والسكرتير الإداري ونائب لواء المكلا في منازلهم إلى حين، ولم يشاركوا في الأحداث ولم يتعرض أحد منهم للمضايقة من السلطة الجديدة التي كانوا زعمائها عقلاء ومتّزنيين في تحركاتهم قبل أن تأتي تلك القيادة من عدن وهم من أبناء حضرموت وغيرهم الذين بدأوا في بعض الممارسات الخاطئة والمضايقات لكل من اعتبروه مضادا لهم أو غير راضي عنهم ونقلوا معهم لحضرموت تجارب سيئة بينما كانت القيادة المحلية لا تقر هذه الأمور ولا تريد الإساءة لأحد، كانت العملية تمشي بسلام وأدارت القيادة المحلية الأمور بحكمة واتزان وللاسف تلك القيادة انتهت بعد 22 يونيو بعد أن أكلت القطة أولادها.
بعد انتهاء شهر العسل بين بين القيادات العسكرية السابقة التي ساندتهم وبين الجبهة القومية تم تسريح كل القيادات العسكرية السابقة من الخدمة وإحالة البعض للتقاعد وهم من شاركوا في يوم السابع عشر من سبتمبر وتلقوا جزاء سنمار ….
أما السكرتير الحربي اللواء بن سميدع فقد تقدم مباشرة للجبهة القومية بطلب إحالته إلى التقاعد كونه كبير في السن ويعاني صحياً، وذكّرهم بأنه قد تقدم للسلطان من قبل بهذا الطلب فجاء الرد سريعاً من اللجنة الشعبية العليا بإلغاء منصب السكرتير الحربي وتجريده من رتبة العسكرية ووضعه في الإقامة الجبرية المنزلية عليه، ثم تم نقله فيما بعد إلى معتقل في وادي حجر مع رفاقه النائب بدر الكسادي، والقاضي عبدالرحمن بكير، والمؤرخ محمد عبدالقادر بامطرف، والنائب العماري، لتبدأ بعد ذلك مرحلة تصفيات الجهازين المدني والعسكري واعتقال العديد من رموز العهد السابق، كل ذلك حصل بعد التفجير المتعمد لموكب الحرس الشعبي بالشارع العام بالشرج الذي كان الهدف منه اعتقال العديد من رموز الحكم السابق واستخدام هذه الحادثه لتبرير حملة الاعتقالات وتنفيذ ما كان يخططون له من تصفية الرموز الحضرمية والشخصيات الاجتماعية والقبلية والسياسية، وكان الحادث حصل عصر يوم الأحد 24 سبتمبر 67م برغم أن الكثير من أعضاء القيادة المحلية لم تروق لهم تلك التصرفات إلا أن القادمين من عدن علي سالم البيض وعبدالله الاشطل وغيرهم أسكتوا كل الأصوات، وكان البيض قد استقدم عبدالله الاشطل باسم ،،حسن علي،، وبأنه مكلف من القيادة العامة بعدن للإشراف على التنظيم في حضرموت وبدأ الانحدار في القيادة بالمكلا والتفكك وتسلم القيادة القادمون من عدن الذين كان يحملون المصائب لحضرموت وإحكام السيطرة على حضرموت خوفاً أن تذهب بعيداً، وذهب عبدالباري قاسم لاستلام السلطة في الشحر وإحكام السيطرة عليها لاكتمال حلقات السيطرة …
بعد ذلك تمت حملة مداهمات وتفتيش العديد من المنازل والمحلات وكان يقودها راوح عبدالرب الصلوي وصالح عواس ونهب مقتنياتها .
وبدأ زوار الفجر أعمالهم السيئة والقذرة واعلنت مصادرة ممتلكات السلاطين وحكام العهد السابق أو كما يحلو لهم تسميته العهد البائد وبعض التجار وسيق العديد من الأبرياء إلى المعتقلات والسجون التي امتلأت عن بكرة أبيها من مختلف فئات الشعب وشنت حملات القمع والإرهاب السلطوي خاصة بعد توفر العديد العناصر الإجرامية من خارج حضرموت وبل من خارج الجنوب أمثال حريري لبناني الجنسية وشلته .
وجاء يوم 30 نوفمبر يوم الاستقلال المزعوم وحضرموت جاهزة لتقبل أي شيء حسب الخطة كانت منهكة ومحطمة قادتها وقضاتها ورموزها وشيوخها في السجون والمعتقلات
والبعض الآخر هرب خارج البلاد خوفاً من بطش النظام الجديد، ويتحكم فيها أغراب غير أبنائها وقد أُعلنت محافظة ضمن النظام الجديد الحاكم بإسم المحافظة الخامسة حتى اسم حضرموت تم إلغاؤه وهذا نتيجة حتمية لمن ارتهن لغيره .
وبعد ما يسمى بالاستقلال المزعوم بدأت حقبة أسود من السابق سنتعرض لها في مناسبة قادمة .
في الأخير إن كان علي الإشادة بأحد فإنني أشيد وأحيي الروح الوطنية والحكمة العالية التي تحلّى بها قادة وضباط وجنود القوات المسلحة ال…….في إدارة تلك الأزمة وتجنيب حضرموت الانقسام وشق الصف برغم اختلاف الأراء إلا أنهم وضعوا حضرموت فوق الجميع حتى بعد أن تم تسريحهم واتخاذ إجراءات قاسية بحقهم لم يتجهوا لمعارضة النظام أو خلق الفوضى والاضطرابات بل اتجهوا إلى ميادين العمل لإعاشة أُسرهم، منهم من عمل سائق أجرة، وبائع تمباك، أو بائع تمر، والبعض الآخر عاد إلى قراهم للعمل في الزراعة، برغم أن أعداء النظام الحاكم كُثر وسيتم استقطابهم كون أغلب هذه القيادات في ريعان الشباب .
لكنهم تربوا في مدارس حب الوطن والانضباط ورفضوا كل الإغراءات التي قدمت لهم
لهم كل التحية والرحمة لمن توفاهم الله .
المراجع
حديث السلطان غالب بن عوض القعيطي لمجلة حضرموت الثقافية
حديث السيد فيصل علي العطاس لمجلة حضرموت الثقافية
كتاب محطات من مراحل النضال والتحرير عن مذكرات عباس العيدروس عبدالقادر باكثير
ارشيف اللواء صالح يسلم بن سميدع السكرتير الحربي
حديث الدكتور صالح علي باصرة
———————————
حديث الصورة السلطان غالب بن عوض القعيطي في الباخرة أثناء عودتهم من جدة