مات أقوام وما ماتت فضائلهم….وعاش أقوام وهم بالناس أموات

 

مات أقوام وما ماتت فضائلهم….وعاش أقوام وهم بالناس أموات.

في مثل هذا اليوم الموافق الثاني من شهر يوليو من عام 2020 فقدت حضرموت زعيمها وحكيمها وعملاق من عمالقة أهلهاالأفذاذ .
إنه حاتم الزمان ورجل البر الإحسان يشهد له كل صاحب لب وبنان…
*إنه الشيخ والمقدم/ عوض بن سالم بن منيف الجابري..*
رجل بحجم وطن..رجل فيه صفات القادة العظماء والرجال الحكماء والافاضل النبلاء ،رجٌل سبّاق للخير وداعيا إليه يحب الخير وأهله وقاده الله لفعل الخير
والإصلاح في الناس ((لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس)).
رجل بذل جل حياته بماله ووقته لوأد الفتن أينما أينما وجدت وكانت ….

فهذه نبذه مختصرة عن الشيخ / عوض بن منيف رحمه الله.

المقدم / عوض بن سالم بن عوض بن محّمد بن العبد بن عوض بن عبدالله بن يماني بن عامر بن منيف بن عبدالله بن يماني بن حمد بن عيسى بن عامر بن علي بن حاج الجابري الشنفري الهمداني
من مواليد 1945 في صيقة آل عامر بساه في حضرموت
وهو الابن الثاني من بين الخمسة من أبناء المقدم /سالم بن عوض بن منيف الجابري.
له من الأولاد ابن وثلاث بنات
يكنى بأبي غازي
تم تنصيبه عام 1982 مقدما من قبل قبيلته خلفا عن ابيه المقدم الراحل سالم عوض رحمه الله
تربى تربية بدوية كسائر اهل بادية حضرموت فكانت البيئة التي عاش فيها دورا كبيرا في صقل مواهبه وتنمية قدراته و طاقاتهالإبداعية التي اكتسبها من هذه البيئة اذ انه تربى في بيت التقدمة.
في كنف ابيه المقدم سالم عوض ،حيث تعلم منه الأدب والحكمة والمعرفة بأصول الأحكام وحفظ الاشعار وتعلم الأنساب وتناقل الأخبار والآثار من الوافدين والزوار القادمين إلى بيت أبيه كعادة بيوت المشيخة في سائر القبايل العربية.
وقد درس الإبتدائية في صيقة آل عامر ثم انتقل إلى المدرسةالوسطى بسيئون زمن حكم السلاطين آل كثير.
ثم هاجر إلى المملكة العربية السعودية في مطلع الستينات حتى بداية السبعينات وبعدها هاجر إلى الكويت حيث بدأ نشاطه بعمله الخاص ثم انتقل للعمل لدى شركات الغنام حتى الغزو العراقي للكويت، خرج إثرها إلى حضرموت واستقر بمسقط راسه صيقة آل عامر خلال هذه الفترة التي قضاها والتي هي اكثر من ربع قرن من عمره.

وفي المهجر مابين اغترابه في المملكة العربية السعوديه ودولة الكويت استفاد منها في التعرّف على الكثير من رجال الأعمال والمثقفين من الخليجيين والعرب بالاضافة للمهاجرين من بلاده واحتكاك بأهل تلك البلاد أثرا كبيرا في صقل مواهبه وتوسيع مداركه و احتكاكه بأهلها و الاستفادة بالإطلاع والقراءة الكثيرة، فعلقت بعض المفاهيم عن عوائد أهل نجد واهل الكويت وبعض من بادية الاردن فكان عنده إلمام بعوائدهم وتقاليدهم و أشعارهم وأشعار أمرائهم، وكان يقول الشعر وبالرغم من ذلك فإنه حينما يقال
له أنت شاعر يقول أنا لست شاعرا بل أخي احمد هو الشاعر..

كذلك تعلم من اسفاره الصبر والمرونة والتعامل بحكمة وحلم في مستجدات وتطورات الحياة ونظرة ثاقبة لإستشراف المستقبل حيث أن أغلب توقعاته تلامس الواقع الجديد، ولا شك ولا ريب أن للبيئة التي تربى فيها لها دورا أساسيا إذا أنه تربى في أسرة ذات تقاليد واعراف وسنن وسوارح، فلها النصيب الأكبر حيث أن المقدم عوض ابن حكم ومقدم مشهود له اب جد عن جد حيث يعتبرون مرجعا للحكم القبلي في أغلب القضايا وما نستشهد به قول الشاعر عبدالله سعيد بن قعفان رحمة الله عليه
بالله شرف بالله شرف ..من قبل ما شل الكلف
خل من ثقل حمله يخف ..يا موزن العقل الخفيف
وقعت دعاوي من طرف ..في نخل عاده ماخرف
.وإن بتحكم ولا صرف…..لعند بن عامر منيف.

وقال الشاعر شيخ هاشم:
ورث فعل الزيانه بوه عن جده
وورثه عوض وعاده في الهده
هباه الله عن طيبته وأخلاقه
ومن يحب اللبن قله صبر ع عضة الناقة
ديار الخير حاضر وماضيها
وإن جار الزمن تقوى مبانيها
رواسيها خطت سيلان وعماقه
ومن يحب اللبن قله صبر ع عضة الناقة

تعجز اللسان عن وصف هذا العملاق، فهو قامة حضرمية وهامة قبلية، وحيد نائف، يعرف دهاليز السياسة بحنكة ودهاء.

انخرط في السلك السياسي فبدأ مشواره السياسي في عام
التسعين بعد تحقيق الوحدة حيث أن جميع الأراضي هي ملك الدولة وهي سياسة الدولة.. فكان له الدور البارز في حفظ وإسترجاع ما أممته الدولة السابقة لملاك الأرضي الحقيقيين بل كان على رأس الوفد الحضرمي المطالب بإعادة الإملاك لأهلها من أرض وبيوت وسيارات وسلاح إن وجد..
فقد كان ضمن اللجان المشكلة إن لم يكن رئيسها و قابل مسؤولي الدولة المعنيين حتى اللقاء الذي جمعهم بالرئيس السابق على عبدالله صالح حينما زار مدينة سيئون تكلم بجراءة وطلاقة وشجاعة وتم الفصل وإعادة الأرض وكان له الدور الأكبر والفضل بعد الله في استرجاعها وعلى إثرها حصلت خلافات في هذا الجانب في بعض المناطق كمنطقة ساه وغيرها بإدعاء البعض أحقية الملك في هذه الأراضي فشكلت لجنة برئاسته وفصلت في هذه النزاعات حتى ذاع
صيته في في أغلب مناطق حضرموت..

وفي عام 1999 اصدر قرار رياسي بتعيينه مدير مصلحة شوؤن القبائل.

وكان للشيخ رحمه الله دور كبيرا ومحوريا في إستقطاب الناس ولم شملهم وشعثهم بمكانته الاجتماعية وكان له حضور و كاريزما ومهاب المظهر يعرف برجاحة عقله المستنير، ولبه المتقد البصير، واشتهر بسخاه الكثير الذي في زمانه ليس له نظير ،ومضيافا لصغير والكبير،
ومحضارا للجواب بسرعة البديهة ، وحكمة وإتزان.
وهو شخصية اجتماعية وقبلية نادرة، له مكانة اجتماعية في حضرموت بواديها وساحلها، بل في اليمن عامة فقد دخل في العديد من القضايا القبلية من قضايا دم وارض فكان له الفضل بعد الله في صيانة الحقوق ،وحقن الدماء كما دخل في قضايا كثيرة بمأرب وشبوه وحجه والبيضاء وصنعاء وغيرها من مناطق اليمن وذاع صيته إلى
خارج اليمن في دول الخليج خاصة السعودية و عمان والإمارات إضافة للكويت التي قضى معظم شبابه فيها.

بيته مقصد الجميع فقد زاره الرئيس الراحل علي عبدالله صالح في بيته القديم وغيره من العلماء من حضرموت واليمن والساسة من الوزراء والسفراء فقد زاره العديد من وزراء الدولة وزاره والسفير الفرنسي والقنصل السعودي والقادة كقادة التحالف العربي والمدير الأقليمي لشركة توتال فرنسا وغيرهم.
فديوانيته العامرة القديمة والجديدة لم يوصد بابهما منذ عمارتهما، فأبوابهما مشرعة في استقبال الضيوف بالليل والنهار، وفي جميع الأوقات، وعلى مختلف مآرب وتوجهات القادمين، سواء من حل ضيفا، أو جاء مقتنعا بمايقوله في حكمه، وشهرته المتأصلة في سيد الأحكام( الصلح)، أو حكمه القاطع المانع عرفا حتى أن أحكامه تأصل كمرجع في بعض القضايا حيث إن الحكمان يقولوا “قد حكم
بمثل هذا الشيخ بن منيف” .

وفي عام 2015 تأسس وعين نائب لمرجعية حلف حضرموت بالوادي والصحراء وهو إحدى اعضاء الهيئة العليا للجامع الحضرمي .

وله الفضل بعد الله في خمد نار الفتن في العديد من القضايا .
وقد قال الشاعر/ حسين باجوه الجوهي:
يوم الزعامه ناس جم عشاقها…ماحد دخل في شفها لا بن منيف
وحده وبس هو لي عطها حقها..وفي شانها متحمل الحمل الكليف
لي ذاع صيته في المناطق كلها…يتداوله الناس في مدينه وريف.

حقيقة أن الشيخ بن منيف شخصية مخضرمة فذة ربطت بين العتيق القديم المتأصل جذورة في التاريخ وعلم الأنساب، وعلم الأحكام والأعراف ،فقد ذاع صيته في المزاوجة بين القديم والحديث، فكان نعم المثقف الحصيف، والقبلي البارع، فقد طال باعه في تقريب وجهات النظر عندما تتشعب الأفكار، ويضمحل الحل، وتضيق دائرة التقارب، فينبري لها أبوغازي، فيلوي عنقها تحت ركبته فهما وإدراكا، فيذهب بلب السامعين، ويبهر سماع الحاضرين، فينتزع الحل من بين بنيات فكره الراسخ، الذي يعرف
كيف تؤول الأمور، وينهي تنهدات الصدور .

أما لو أردت أن استرسل عن جوده وكرمه، فهو الجواد الذي لم تنطفئ شعلة بيته في مثواه القديم على ضفاف الوادي، أو في فلته الفاخرة في منتصف الوادي الشامخة على تلة بالقرب من مزرعته، فيقصده الغريب الذي انقطعت به السبل، ليظفر بقرى حشيم، والمار العابر الذي أراد أن يسلم عليه.

فكرمه نابع من معيان أهله الذين أتسموا بالكرم فهي سمة له مغروسة من أهله فقد كانوا كرماء حتى في
أحلك الظروف و شحة الموارد يذكر عنهم في زمن الحرب العالمية الأولى والثانية والتي تسمى في حضرموت ـ المجاعة الأولى والثانيةـ فكانت بيوتهم مأوى للجميع خصوصا الذين اتوا من باطن وادي حضرموت بحثا عن التمرة او ما يسد رمقهم ويقيهم من الموت ويقال حين ما خشي الناس عليهم الفقر لشدة السخاء في الوقت العسر الذي مرت على الناس عامة فلم يبقى احد إلا
و وهن من هذه المجاعة فقال جده المقالة المشهورة التي يحفظها كثيرا من الناس (لا جيت بغتني ما خلتني الفاضلة، ولا جيت بفتقر فدتنا الخامرة)..والخامرة هي إحدى ارضيهم الزراعية المطلة على الغيل..

وإذا تحدثت عن سخائه فهو حاتم زمانه، ومهما انتقيت من الالفاظ فلن أعطيه حقه، بل لنفدت كلمات الثناء، ولعجزت بيانات البلاغة عن الوصف، ولتجمدت أفعال المدح، ولتقاصرت جمل وعبارات الوفاء، ومهما قلت فشهادتي ورب الكعبة مجروحة فيه وليس في بلاد حضرموت فقط حتى عندما كان في ارض المهجر كان بيته مأوى لكثير من الناس فإن كان ضيفا استقر عنده حتى الذهاب وإن
كان يبحث عن العمل استقر عنده حتى يرتب وضعه وكان في ارض المهجر يزوره الكثير من الشخصيات الإجتماعية والسياسية حتى في زياراته سواء كان للسعودية أو للإمارات كان الناس ياتون إليه في حل بعض مشاكلهم ..
وقد قيل فيه :
ياحصن شامخ بالعلا منطوب
ساسك ممكن من زمن مولاه
بالعز والناموس بنيته طوب
لما العرب قالوا المثل في ساه
وفتحت بيتك بالكرم محسوب..
الفقر ما جالك ولا تخشاه
يا بن منيف الجابري المنسوب…
جودات لك حاشا العرب تنساه
وعندك نماره ساعة الماجوب
كل ما دعيته قال يا لباه
لحب ربي في الخلايق دوب
حبب قلوب الناس له تغشاه

وأما موطن قلبة ودمه الذي يجري في شرايينه فهي حضرموت ارضا وإنسانا يلهث بذكرها ويفرح لفرحها ويحزن لحزنها، شغله الشاغل حضرموت أمنها واستقرارها يتكلم عنها في كل مكان وفي كل محفل يؤرقه إنفلات أمنها ويسعد لنهظتها ، دايما يركض لوأد الفتن اين ما كانت ،فكانت هي الأولى في مقدمة كل شي فقد جمعت بينه لقاءت و بين الرؤساء السابقين في الدولة ومن الأمراء من آل سعود و شيوخ الإمارت وغيرهم في لقاءتهم سواء كان كشخصية قبلية او رئيس مصلحة شوؤن القبايل او كمرجعية حضرموت ، فكانت حضرموت اول ما توضع على طاولة الحوار ، وقبل كل شي.. حضرموت اولاً .

و كان جريء وقوي في طرحه لبعض الأمور التي يرى انه يجب أن تراعي او يؤخذ بها او تعالج.
سواء كانت هذه القضايا سياسية اوأمنية او اقتصادية او قضايا اجتماعية وكانت حضرموت الأرض والانسان همه الكبير مع الاخذ بالحسبان قضايا الوطن بشكل عام
وأكبر شاهد انتشار مقطع لقضية بني الزوع نهد وهو يخاطب الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح.
بقوة لأجل حل هذ المشكلة و وأد الفتنه وقد أخذت أصداها عبر وسائل التواصل الإجتماعي..

وكان الشيخ ابو غازي رحمه الله يشيد بحضرموت في اشعاره
وانغامه، وفيها قال
هاجسي ذا السنة منكود جوه معكر
يالحضارم لكم تاريخ لا تفقدونه
وحدوا الراي بالكلمة وبالسيف لابتر
جددوا في سواس الحصن لا تهدمونه
وين نوح وسيبان المقد بانفكر
وين همدان والضني وعينه ونونه
وين كنده ونهدي وين عوبث ومره
………………..نص ناقص.

جواب إحدى الشعراء
جّمع الناس ع صوتك واذن وكبر
كل من صاح في يوم الطلب بايجونه
لي من الكار والوادي والوسيع المعمر
بايجونك من اسفاله ولا في دجونه

جواب صالح العمودي
مرحبا قول من شاعر من شيوخ سنفر
لا تنشر لبس دسمال من شغل بونه
شيخ يصدر حكامه ع البياض المسطر
نا عرفته وليهم في الوطن يعرفونه

جواب بابدر
يازعيم القبل النشو بالخير بشر
ساهن الخير لاحطت علينا مزونه
والذي هو من الله ع البنادم مقدر
بايصيبه وهو يسمع وتبصر عيونه

ثم إن قصيدته هذه وصلت إلى الشاعر الشيخ عمر بن كرامه بن حمادة الثعيني ابن الشاعر الشهير كرامه بن حمادة..
فرد على قصيدة يالحضارم لكم تاريخ لا تفقدون..
غير أن الرد لم نتمكن من حفظه فرد عليه الشيخ رحمة الله عليه وقال:
مرحبا قول من شاعر كلامه معبر………هرج موزون بالقفلة معدل وزونه
من عمر بن كرامه دوب هرجه معطر……..هرج موروث له تاريخ لي تعرفونه
والزمن حير العاقل ومنه تكدر………معترفلي خيال الغيث لي
تخايلونه.

أما حياته وطريقة حبه لأبله ففريدة من نوعها، فهو يعشقها
حتى النخاع، منذ الصغر وهو معتني برعايتها معتني بها اشد عناية ولهذا من شدة تعلقه بها كان يكثر من الحديث فيها ويؤنسه الحديث عنها حتى في حالة الغضب كان يطفئ غضبه بالذهاب إليها أو الإستماع إلى حديثه، وهي من افضل النعم عنده فقد جلب لها راعيا من تهامه، ليعتني بها وله قصص عدة معها وكان ويبحث عن أجودها واحسنها وكان يستمتع غاية الإمتاع في الجلوس عندها
و له القدرة على ترويضها بإسلوبه ومهارته فإذا عجز عنها الراعي ذهب إليه.
يحكى عنه أنه اشترى ناقة وأراد الراعي أن يحلبها فلم تحتلب له فأخبر الشيخ بذلك ولما أراد الشيخ أن يروضها حيث أراد ان يلقمها فغفلته وعضته عضة أخذت من عضده وأوجعته ايام على فراشه وعاده الناس ، فاشتهرت هذه القصة وكان ممن علم بها الشاعر شيخ بن هاشم بن الشيخ ابوبكر فقال:
ومن يحب اللبن قله صبر ع عضة الناقة
سرح ياطير بالباكر بابياتي
..وبلغ حيدنا الشامخ تحياتي
صباح الورد له مني مية باقة
من يحب اللبن قله صبر على عضة الناقة
قليلة العرف مدرت يد من هذي
تناست أن هذه يد بو غازي
وعضة يد للخيرات سباقة
ومن يحب اللبن قله صبر ع عضة الناقة
ورث فعل الزيانه بوه عن جده
وورثه عوض وعاده في الهده
هباه الله عن طيبته وأخلاقه
ومن يحب اللبن قله صبر ع عضة الناقة
ديار الخير حاضر وماضيها
وإن جار الزمن تقوى مبانيها
رواسيها خطت سيلان وعماقه
ومن يحب اللبن قله صبر ع عضة الناقة
سألت الجود قال في الساس طرحوني
الوفاء قال ناسدته والبوني
والكرم سقف وتياسير لكل طاقه
ومن يحب اللبن قله صبر ع عضة الناقة.

اما في الجوانب الخيرية فهو السباق إليها الساعي ولها بدون كلل ولا ملل وله اسهامات كبيرة وكثيرة في مشاريع تنموية في حضرموت عامة وفي ساه بصوره خاصة لا على سبيل الحصر وقد تجلت صورتها في فيضانات عام 2008 حيث جرفت السيول بيته مع البيوت الأخرى ومع هذا كان معطا يبذل الخير للجميع ويؤثرهم على نفسه ، فكان له الدور الأكبر والفضل بعد الله في التواصل مع الحكومة ومع الشركات والمنظمات لدعم المنكوبين.
وله مواقف إنسانية كثيرة في مساعدة المرضى والمحتاجين وتذليل الصعاب لهم لاسيما الذين يتعالجون خارج البلاد وله في شهر رمضان قصة عطاء لا يعلمها إلا قليل .

ولقد عاش الفقيد رحمه الله متطلعا وحالما بمجتمع راق يسود فيه العلم والمعرفة متيقنا انها السبيل الوحيد لتطور المجتمعات وهو من رجالات العلم والمعرفة ولذلك لم يبخل يوما من الايام ان يقدم دعمه ومساندته المعنوية والمادية لقطاع التربية والتعليم فقد كان رحمه الله عضوا فاعلا في مجالس الاباء في مدارس التعليم الاساسي والثانوي بمديرية ساه مقدما كل مساندته لها واضعا بصماته المشرفة لدعم هذه المجالس لتنفيذ فعالياتها المختلفة مذللا كل
الصعوبات التي تعترض سير عملها موجها ومربيا واضعا الحلول المناسبة للمشكلات التي تواجهها.
وظل مكافحا لانتزاع الحقوق لقطاع التعليم لدى الشركات النفطية ومن خلال لجنة التنمية في استحقاقات المنطقة من ( الحقيبة المدرسية – النقل والمواصلات – المنح الدراسية – المواد الادوات والمستلزمات الاخرى)
وكذلك متابعاته الحثيثة مع السلطات المحلية في : تنفيذ المشاريع التربوية والتعليمية – توفير واعتماد الخانات التعاقدية من المعلمين والاداريين وعمال الخدمات والحراسات ومتابعة توفير غذاءات المعلمين في المناطق النائية، وكذلك وقوفه ومساندته للجمعيات الطلبة الجامعيين ودعم الموهوبين والمخترعين وقربه منهم وتلمس احتياجاتهم وحل بعضا من مشكلاتهم.

ان مما يمكن ان نقوله اجمالا ان للفقيد ادوارا وبصمات لا تنسى في قطاع التربية والتعليم والتعليم العالي ولا ينكرها احد.

وعاش محبا و محافظا على التراث الحضرمي فتراه في الزواجات متنصف العضيدة في الزامل يسلم أو يرحب أو يستقبل القادمين متزهب الجنبية الحضرمية الاصيلة.

وله رحمه الله القدرة العجيبة في توظيف الوصف وسبك الكلام وحبكه، فيسرح بك الخيال ويمخر بك في أمواج وصفه من جميل وصفه ودقته في التعبير كأنك ترى ما
كان يتكلم به راي العين..

وماستحضرني من قصايده وهذه القصيدة في استقبال اشراف مأرب في القضية التي بينهم وبين بني تميم يقول فيها
وسلام عم قل لي الشريف المحترم
جينا بجم من كل وادي ينسلون
ياهل الكرم تاريخكم فوق العلم
عاده لكم بالجود دايم تنسبون

وهذه ترحيبب بوفد من أبناء آل جابر بعمان وهم من آل عماني الذين اصولهم من بيت عماني في رسب بن يماني فقال مرحبا بهم :
رحبي ياحصون العز مليون مره
بنعماني ولي وصلو معه في العضيده
بن عماني وصل شرف وقد زاد قدره
عندنا دين بانوفيه يوم الوعيده

وهذه قالها في استقبال آل محمد الحاج آل جابر
قال بوغازي الهاجس ضواني محضر
بنثر الورد والكادي عليكم سويه
الف حياء بكم مرحيب من طيب خاطر
ياعصابتي والمسبت وقصبي هجيه.

وكان رحمه الله يحب أهل العلم ويكرمهم ويطيب لمجلسهم ويستقبلهم بحب وسخاء مع علمه و إطلاعه بالفقه الشافعي و يحفظ الكثير من كتاب الله تعالى ويتقن تلاوته وله صوت شجي على صوت المقام الحضرمي وفي أغلب الأحيان هو من يصلي بالناس في المصلى الذي في بيته قبل أن يبتني مسجد البانة..

واني لأعهده وفي هذه الأيام أي عشر ذي الحجة صائما كثير الصدقة و البر والإحسان وقد رأيته في كثير من أيامها يجتمع عنده الضيوف فيكرمهم وهو صائم ومما أعلمه عنه وقد حدثني ممن يلازمه من أبناء مدينة سيئون أنه هو وفي كل عام تؤتى إليه الأغنام يصرفها على الفقراء والمساكين ليوم العيد وذات مرة و إذ تاخر الخبر من الداعمين ولم تأتي على حسب العادة إلى قرب العيد فاشترى الاغنام بالآجل إلى ما بعد العيد فقال له وكيف تفعل إذا لم تدفع لك مبالغها قال لو ابيع سيارتي ولن أترك هؤلاء بلا عيد .

وهكذا رحمه الله عاش محبا للخير والسلام متأملا خيرا للبلاد والعباد وبعد موت عمه عمر مبارك واخيه أحمد وخاله صالح عمر بن حليمان وهم الذين يعتبرهم سندا له وعونا بعد الله وكأنه احب لقاء ربه
مستوحيا ذلك من قول يوسف عليه السلام.
(( ربي قد أتيتني من الملك وعلمتني من تاويل الأحاديث فاطر السموات والأرض توفني مسلما وألحقني بالصالحين))

فقال في آخر قصيدة له في الزواج الجماعي لقبيلة آل عامر آل جابر .
ما معي نفس لزامل ولا بتزمل..
يوم فارقت بو محسن وعمي وخالي
كنني محتكم للواحد الفرد ربي
مالك الملك لي حكمه على الناس جاري.

اننا ونحن نكتب هذه الكلمات ونسطر الجمل والعبارات لم ولن نستطيع ان نوفيّه حقه مما امتاز به من مكانة اجتماعية وخصال حميدة اجتمعت فيه كوجاهة اجتماعية وشخصية قبلية وسياسية لها من المكانة الرفيعة والقدر العالي لدي الجميع.

توفاه الله صباح يوم الخميس الموافق 2 يوليو 2020 .ودفن عصر يوم الجمعة عن عمر ناهز 74 سنة حافلة بالعطاء والخير والمحبة والسلام.

فخسارتنا اليوم في حضرموت عظيمة .. برحيلِ هامٍة من هامات المجتمع و واحدٍة من شخصياته المجتمعّية القيادّية..وواحٍد من رجالات حضرموت الأفذاذ .. الذي قام بالكثير من الأدوار في أصعب المراحل .. ورفع الصوت دوماً بحقوق حضرموت وابنائها .. وحرص على التواجد حيثما ناداه واجب توحيد الناس وإصلاح ذات بينهم ونجدة المحتاج منهم والمظلوم ..

رحم الله أبا غازي رحمة واسعة وغفر الله له واسكنه فسيح جناته وجعل الله قبره روضة من رياض الجنة.

كتبه بتصرف
عوض سالمين بن منيف الجابري