مأساوية يوم السابع عشر من سبتمبر.
كان النصف الثاني من سبتمبر ١٩٦٧م ومع بداية شهر سبتمبر كانت حضرموت تعيش على صفيح ساخن خاصة بعدما تقدمت الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن بطلب إلى لجنة الطوارئ الحاكمة آنذاك في المكلا في ظل غياب السلطان غالب بن عوض القعيطي عن البلاد للمشاركة في مفاوضات جنيف تطالب بتسليم السلطة لها في تلك الفترة وكانت اغلب المشيخات في الجنوب تتساقط في يد ثوار الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن بعد أن أوعزت لها بريطانيا بينما كانت البعض تخوض معارك شرسة ضد الجبهة القومية .
بينما حضرموت تنعم بالأمن والأمان والاستقرار كان الشارع الحضرمي في المكلا يغلي والأحزاب كلن يغني على ليلاه كانت الأجواء متوترة والأعصاب مشددة وكل طرف يعد العدة في ناحية لكن كانت تلك الفترة كان العقلاء كثر خاصة في جانب السلطة الحاكمة وأيضاً هناك بعض العقلاء في جانب الجبهة القومية حيث تمت هناك لقاءات بين الجانبين الحاكم والجبهة القومية ولم يكن هناك تمترس بالسلاح ولا استقواء السلطة بالقوة كانت لغة العقل موجودة فالكل أبناء حضرموت ومصيرهم واحد كان صوت العقل يطغى على كل شيء.
أثناء سير اللقاءات برغم أن هناك العديد من القادة والضباط غير مقتنعين بتسليم السلطة للجبهة القومية وأي تعنت منهم سيؤدي إلى ما لا تحمد عقباه والشارع أيضاً ليس الجميع مع الجبهة القومية وهناك أحزاب أخري أيضا ترفض تسليم السلطة للجبهة القومية .
كان العقلاء من الجانبين قد عملوا على تهدئة الأمور، كان أي صدام سيكون بين القوات النظامية بين الطرفين ستكون عواقبه وخيمة صحيح أن الجبهة القومية لم تكن تمتلك قوة عسكرية يحسب لها حساب إلا أنها استطاعت استمالت بعض القيادات العسكرية في جيش النظام وجيش البادية إلى جانبها بتنسيق المستشارية البريطانية في المكلا التي كانت داعم للجبهة القومية.
لكن الخطر يكمن في انقسام القوات المسلحة بينها البين حيث كان الجو مهيأ لفتنة لا يعلم مداها إلا الله لكن صوت العقل طغا على الجميع بعد طمأنة الجميع .
وجاء يوم السابع عشر من شهر سبتمبر 1967م واستلمت الجبهة القومية السلطة وتم تشكيل لجنة شعبية تدير البلاد مناصفة بين الجبهة القومية والجيش وكان الجبهة القومية قد استعانت بعدد من الكوادر والشخصيات الاجتماعية الحضرمية من خارجها للمشاركة في تسيير الأمور.
وسارت الأمور دون طلقة رصاص أو إسالة دماء وهذا يحسب للجميع من الطرفين عدم إراقة الدماء ودليل على سلمية أبناء حضرموت وحسن تعاملهم مع الأمور أما المسؤولين السابقين فمنهم من استمر في عمله ومنهم من لزم بيته ولم يشارك في في ما حدث من تحول ولم يتعرض للإيذاء ولم يتم تفتيش بيوتهم أحد ولم يتعرض أي شخص للمضايقات .
غير أن الأمور لم تستمر بتلك السلمية سوى فترة بسيطة وتغيرت الأمور إلى أسوأ حال وذلك بعد وصول الرفيق علي سالم البيض قادما من عدن ويرافقه كل من عبدالله الاشطل ومجاميع مسلحة من خارج حضرموت وقد قدّم الرفيق البيض للقيادة المحلية في حضرموت المدعو عبدالله الاشطل باسم حسن علي وأنه مرسل من عدن للقيام بمهام التنظيم وقيادته للمكلا وعندها انتهت الحكمة والسلمية الحضرمية حيث تولى الأمور القادمون من عدن وتنفيذ ما جاءوا من أجله وتسلم المدعو عبدالله الاشطل قيادة التنظيم في حضرموت وتولى عبدالباري قاسم مسؤولية المديريات الشرقيه ،،الشحر،،
وأحكموا السيطرة على حضرموت أما قيادات الجبهة القومية التي استلمت السلطة من الدولة القعيطية عدد منهم أبعد إلى عدن والقسم الآخر أُهمل وتم تهميشهم وشنت حملات واسعة ومداهمات وتفتيش للبيوت عدد من المسؤولين السابقين في الدولة القعيطية الحضرمية وقيادات عسكرية وللأسف قاد تلك الحملات أناس من خارج حضرموت امثال راوح عبدالرب الصلوي من تعز وصالح عواس من أبين وغيرهم اقتحموا البيوت وادخلوا الرعب في قلوب النساء والأطفال ونهبوا بعض مقتنيات المنازل بحجة محاربة الحكم الانجلو سلاطيني .
وأصبحت حضرموت تدار من خارجها بتواطؤ بعض أبنائها العاقين، تم تفتيت جيش البادية ودمج عناصره في الجيش الجنوبي وجاء لواء من عدن وتولى قيادة الأمن أشخاص من خارج حضرموت، المهمة كانت إسقاط وطمس اسم حضرموت.
انسحب بعض القاده الشرفاء من تنظيم الجبهة القومية بعد ما أحسوا بالفخ الذي وقعوا فيه وتم التنكيل بالبعض منهم وتم تصفية البعض الآخر بعد ما ساهموا في تسليم حضرموت لجنوب اليمن .
ومن ثم بدأ النظام الحاكم لتنظيم الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن عهد دامي في حضرموت حيث بدأت حملة لتصفية الكوادر الحضرمية جسدياً وشهدت حضرموت جرائم ارتكبت في حق البشرية حيث لم يكتفي المحتل بتصفية الكوادر الحضرمية التي كانت تحكم في الدولة القعيطية أو الدولة الكثيرية بل امتدت لتقطف رؤوس علماء الدين وشيوخ القبائل والوجهاء ورجال الأعمال وهناك قوائم طويلة مئات الآلاف من أبناء حضرموت طالتهم يد الغدر لكي لا تقوم لحضرموت قائمة بعد الآن فقد سالت الدماء في المكلا والشحر ودوعن ووادي حضرموت الذي كان له نصيب الأسد من القتل والسحل وتشريد الأسر ولاتزال بطحة شبام تفوح منها رائحة دماء الأبرياء وخصوصاً ماحصل في الأيام السبعة .
فبعد ذلك التاريخ أدخلت حضرموت في نفق مظلم عانت ولا زالت تعاني منه إلى يومنا هذا نقول هذا الكلام لمن يستعينون بالغير من خارج حضرموت على اخوتهم، لقد حدثتكم عن فترة عاشتها حضرموت وكانت بحق منعطف أسود مرت به حضرموت آملين أن يتعض الناس بما قد سبق أن كان هناك من يتعض والاستفادة من أخطاء الماضي.
وهنا أتذكر ما قاله الداهية ومهندس السياسية اليمنية الخارجية الدكتور عبدالكريم الارياني في حديث له مع مراسلي وكالات الأنباء الإقليمية والدولية قبل حرب صيف عام 1994م عندما قال بالحرف الواحد ،،ان الحسنة الوحيدة للجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن أنها ضمت حضرموت لليمن ،،
محمد محفوظ بن سميدع