الأحد , ديسمبر 22 2024

بطولة جيش حضرموت الذي حرر الجوف والزاهر نصرة لأهلها

 

 

بطولة جيش حضرموت الذي حرر الجوف والزاهر نصرة لأهلها

 

مواقف بطولية لرجال من حضرموت(6)

في زمن سلطان حضرموت وظفار السلطان بدر الكثيري المشهور ببدر بو طويرق والذي يعد تقريباً من أطول سلاطين حضرموت عمرا في الحكم وأكثرهم توسعا ونفوذا وقد بلغت دولته من ظفار إلى أبين، تحرك جيش عظيم في السابع من جمادى الآخرة عام ٩٧٢ هجري من حضرموت بقيادة أبنائه السلاطين فيما بعد: عبدالله وعمر ،والأمير الحضرمي سعيد بن عطيف أحد قادة السلطان بدر، لمناصرة الشريف محمد بن ناصر بن البهال وكانت مهمة هذا الجيش استرداد الجوف.

تكوين جيش السلطان بدر

بعد عامين في آخر ذي الحجة وصل جيش حضرموت بعد أن نجح في مهمته فقد أخذ الجوف والزاهر وسلمها لحاكمها الشريف وضموا أيضا الدرب وعسيلان كما ذكر مؤلف كتاب تاريخ الشحر وأخبار القرن العاشر حيث كانت حضرموت تملك جيش بقيادة السلطان بدر مكون من بعض قبائل آل كثير وقبائل حضرموت وشبوة والمهرة ومن ظفار ومن عسكر يافع ومن أشراف الجوف وعسكرهم من بعض قبائل الجوف وخولان وكذلك لديه من العبيد النوبة إضافة إلى حامية من الأتراك ويظهر أنهم من المماليك الذين كانوا في زبيد ثم بايعوا العثمانيين وهؤلاء جنود عنده.

لم يكن هذا الانتصار هذا وليد يومه فقد سبقه مواقف بطولية من هذا الجيش وكان له دور بطولي في هزيمة البرتغال وأسر قبطانهم في معركة الشحر عام ٩٤٢ هجري

بداية علاقة أشراف الجوف بالسلطان بدر بو طويرق

وأما أشراف الجوف فقد بدأت قصة معرفتهم بالسلطان بدر قبل ٣٠ عام من هذه الحادثة حيث كان لهم إمارة في الجوف وصعدة ويقال لهم آل المنصور بعد أن قام الإمام شرف الدين بهزيمتهم في معركة بقيادة ابنه المعروف بدمويته وعنفه المطهر، وقتل فيها ألف من أتباعهم من قبائل بلادهم وأسر ست مئة منهم ومباشرة قام بقتلهم وتسمى هذه الحادثة مقتلة المخلاف بناءاً على ما ذكره المؤرخ الزيدي عيسى بن لطف الله في كتابه روح الروح وهو حفيد المطهر بن الإمام شرف الدين ولذلك نقل هذه الأحداث بافتخار وفي ذلك يقول شاعره يصف القبائل التي تتبع أحد كبار أشراف الجوف وصعدة فيما بعد ناصر بن أحمد البهال

يام وسنحان والطاعون وادعة
ودهمة أقبلوا نحو الردى زمرا

ساروا جميعاً إلى المخلاف قائدهم
إبليس فهو بما قد جرعوا كسرا

كان عدد كبير من قبائل الجوف وصعدة ونجران ولاءها لشريف الجوف، لكن كانت هزيمة مروعة وتبعها أن سيطر هذا المطهر على نجران بعام فلم يعد لهم مكان من خلاله يستطيعوا جمع قواتهم فتوجه الأمير ناصر بن أحمد مع جماعة من فرسان الأشراف يصل عددهم إلى ٤٠ فارس إلى السلطان بدر فأكرمهم ووصلهم بخيل ومال وإنعام ووصلهم بصلات كثيرة كما ذكر صاحب تاريخ الشحر وبعد أن اتفق بينهم وبينه على استكفاء الشر وكأنه يعني نصرة السلطان بدر لهم ونصرتهم له

وبهذا كسب -الشريف ناصر وقومه- دعم وإمداد من سلطان يحكم بلاد شاسعة وكسب السلطان بدر أمير شجاع ينضم إلى جيشه المتنوع
وكان الشريف ناصر يحظى بمعاملة حسنة من السلطان وكان يتوجه لبلاده من الحين للآخر لشن غارات على جيش الإمام شرف الدين ثم يعود لحضرموت في أوقات أخرى، وقد كان من ضمن المشاركين مع السلطان في معركة الشحر التاريخية عام ٩٤٢ هجري التي هزم بها السلطان البرتغال وأرسل عدد منهم إلى السلطان سليمان القانوني وقتل عدد منهم ممن لم يعطيهم الأمان ومنهم من أسرهم رجاله في ظفار ووضع البقية في حصن بناه بغيل باوزير لسجنهم.

الدول الأكثر نفوذا في ذاك الوقت

ويظهر أن أبرز الدول في شمال اليمن وجنوبه ذاك الوقت كانت السلطنة الطاهرية بقيادة السلطان عامر بن عبد الوهاب الذي سيطر على عدن وصنعاء التي استولى عليها أكثر من ١٣ عام منذ عام ٩١٠ هجري وفي تلك الأثناء أرسل حكام مصر وهم الدولة المملوكية جيش مهمته قتال البرتغال بعد أن زاد خطرهم واعتداءهم على السواحل العربية وتهديدهم للحرمين وسيطر الجيش المملوكي على الساحل الغربي ومضيق باب المندب ثم سيطر الجيش المملوكي على صنعاء وهزموا السلطان عامر الطاهري في عام ٩٢٣ هجري الذي لم يحسن كسبهم وتجاهل طلبهم لقتال البرتغال وضاعت بلاده بمشورة ساذجة من أحد أمراءه يقال له علي البعداني وكان قد نصحه فقيه من مستشاريه اسمه علي النظاري بالتعاون مع المماليك في قتال البرتغال لكن أخذ الرأي الذي أنهى دولته في ظل وجود أسر حاكمة من الأئمة الزيدية تملك بعض المدن الصغيرة والتي تملك تحصين جيد مثل شرف الدين بن يحيى الذي كان يملك حصن ثلا والذي أصبح فيما بعد أكثر الزيدية حظا بالإمامة، وكان هذا الأخير ممن حرض المماليك على الطاهري واستفاد من دخولهم ويطلق عليهم الشراكسة

في تلك الأثناء كانت مصر تشهد حرب بين الدولة العثمانية والدولة المملوكية لتنتهي الأخيرة وحين وصل الخبر لأمير المماليك في اليمن الاسكندر عن مقتل آخر حكام المماليك وانتهاء دولتهم أعلن تبعيتهم للعثمانيين وخرج من صنعاء خوفاً بعد سقوط دولتهم في مصر ليسيطر عليها الإمام شرف الدين التي جاءته فرصة على طبق من ذهب

بدأت الدولة الطاهرية بالسقوط التدريجي لتنهار كليا في عام ٩٤٦ هجري ويحل محلها الإمام شرف الدين الذي قام بأخذ صعدة والجوف من الأشراف مع أن الأشراف استطاعوا الحفاظ على صعدة من السلطان الطاهري

لم تنتهي الحال على هذا الوضع فبعد أن بايع المماليك العثمانيين جاء إليهم جيش من العثمانيين وكانت مهمتهم قتال البرتغال في السواحل العربية والإسلامية فأرسلوا عشرات الآلاف لقتال البرتغال في الهند واتشيا فضلا عن سواحل الجزيرة العربية وأفريقيا التي لم تسلم من الاعتداء البرتغالي والسيطرة على بعض الجزر والمدن الساحلية مثل سقطرى وكمران وغيرها

حنكة وشجاعة السلطان بدر جنبت حضرموت مصير الدولة الطاهرية وخضوع الشحر للبرتغال

كان السلطان بدر بو طويرق من أهم الحلفاء الأقوياء للعثمانيين للهدف المشترك في قتال البرتغال وقد جنب بحكمته ودهائه حضرموت من التبعية المباشرة فكان صاحب القرار في بلاده وقد أرسل له والي مصر وقتها رسالة من السلطان سليمان القانوني يقره على ما يحكمه من بلاده ويزوده بمعلومات عن أسطول عثماني ضخم من أربعين ألف مقاتل متوجه لقتال البرتغال في الهند ومعهم الهدايا بعد أن أرسل لهم السلطان بدر أسرى البرتغال من معركة الشحر، ومما يذكر أنه أرسل الشيخ حسن باكثير لزبيد وكان هناك تنسيق عالي بين أتراك زبيد الذين سيطروا على صنعاء فيما بعد مع شريف الجوف والسلطان بدر وكان مهمة الشريف إشغال شرف الدين وفعلا تحقق ذلك

ونلحظ أن ناصر بن أحمد وبقية أشراف الجوف شاركوا في بعض معارك السلطان بدر من عام ١٩٤٢ إلى عام ١٩٥٠ هجري وولاه السلطان بدر أميرا على هينن ثم عزله وكان لهم زيارات إلى حضرموت من بين الحين والآخر وقد ذكر صاحب تاريخ الشحر أن شرف الدين كان في غاية التعب من إكرام السلطان بدر لشريف الجوف وإحسانه لهم

مما زاد من سوء الحال لشرف الدين فقد خرج ابنه المطهر عام ٩٥٢ هجري عليه وهو أهم أسباب توسع حكمه في شمال اليمن عليه وحالف الأخير أويس باشا قائد الأتراك في زبيد وهذا صنع انقسام حاد استفاد منه ناصر بن أحمد في استعادة بلاده وتفكيك جيش عز الدين ابن شرف الدين الثاني لينتهي به الحال مهزوما أسيرا بيد بهرام باشا ويرسل للباب العالي وفي ينبع مات حزنا

وبعد فترة بسيطة استولى المطهر على صنعاء وأخذها من جيش والده عام ٩٥٤ هجري لكن في أقل من سنة أخذها الأتراك وكان أشراف الجوف خير عون لهم

كان الخلاف والنزاع لدى أسرة الإمام شرف الدين لدى أشراف الجوف أيضا فكان ناصر بن أحمد حليف بدر بو طويرق حليف للأتراك لكن ابنه من قادة رجال المطهر وهذا ما جعل هناك تباين في مواقف أشراف الجوف ولذلك سنجد في عام ٩٦٠ هجري بعد أن حاصر ازدمر باشا المطهر في حصن ثلا بعد حرب لسنوات طلب من الشريف ناصر بن أحمد أن يعرض على المطهر الصلح وتم ذلك وأصبح الأخير تحت طاعة العثمانيين وبعدها تفرغ ازدمر لقتال أشراف الجوف الذين كانوا استولوا على مناطق من عمران لمناصرة المطهر وسنجد أن ناصر بن أحمد كان يحكم صعدة في ذلك الوقت وسلمها للعثمانيين بدون قتال وهذا يعني ربما انقسام لدى أشراف الجوف أو تغير في التحالفات الموجودة لكن لم يعد لهم ذكر في المصادر الحضرمية بعد استعادتهم لبلادهم

جيش حضرموت انطلق لمساندة ابن حليف وأحد قادة السلطان بدر قبل عشرين عام

يظهر أن جيش حضرموت الذي أرسله السلطان بدر بقيادة ابنه عام ٩٧٢ هجري لنصرة الشريف محمد بن ناصر لاستعادة الجوف والزاهر بعد وفاة والده الشريف ناصر في الزاهر والذي عاد لحضرموت في آخر عام ٩٧٤ هجري قد لا يكون لقتال المطهر فربما يكون جيش حضرموت أعادها له من الأتراك لا سيما أن تغير الولاة منهم قد يساهم في تغير التحالفات لأن في نفس العام ٩٧١ هجري الذي توفي به الشريف ناصر بن محمد في الزاهر بالجوف توفي ابنه صالح بن ناصر في سجن الأتراك بصنعاء لكونه من أشد أنصار المطهر ولأننا سنجد في روح الروح بأن المطهر في عام ٩٧٤ هجري طلب من الشريف محمد بن ناصر والسيد أحمد المؤيدي حصار صعدة وإخراج الأتراك منها وهذا نفس العام الذي عاد في آخره جيش حضرموت بعد مهمته بتحرير الجوف وقد يكون استعادها من منافس مثل المؤيدي الذي خرب ديار الشريف محمد بن ناصر في عام ٩٨١ هجري وهذا ما جعل الأخير يستعين بالعثمانيين وجعلوه بعد ذلك أميرا على رداع وقد يكون في قتال المطهر نفسه خصوصاً أن أسرته كانت من أشد أعداءه لكن ذكر مؤلف روح الروح أنه كان مواليا للمطهر في آخر حياته وشهد وفاته

وأيا كان فقد كان لجيش حضرموت موقف بطولي وشجاع وكانت حضرموت تملك جيش ضخم في زمن السلطان بدر الكثيري يؤثر في صنع الأحداث في شمال اليمن وجنوبه بل وفي الإقليم كله وتكفي معركة الشحر عام ٩٤٢ هجري التي تركت البرتغال أعداء الإسلام بين قتلى وأسرى هم وقبطانهم دليل على بطولة هذا الجيش وقائد هذا الجيش السلطان بدر الذي خلده التاريخ كأحد أقوى سلاطين العرب في القرن العاشر الهجري ومن أحسنهم سياسة وإدارة للتوازنات الداخلية والإقليمية فمع تحالفه مع العثمانيين ضد البرتغال واستفادتهم من بلاده في قتالهم واستفادته من أسطولهم في ملاحقة البرتغال في كل السواحل العربية والإسلامية لكف شرهم إلا أن قراره وإدارته لبلاده كانت بيده وكان البرتغال يرسلون له الرسل لفك من بقي على قيد الحياة من أسراهم في سجن حصن غيل باوزير الذي بناه واشترط عليهم مطالب صعبة واستمرت محاولاتهم لأكثر من ٥ أعوام إلى أن أطلق سراحهم بشروط ومطالب صعبة تدل على حنكة وشجاعة هذا السلطان وحسن إدارته لبلاده

المراجع :
تاريخ الشحر وأخبار القرن العاشر لمحمد بن عمر بافقيه

روح الروح فيما حدث بعد المائة التاسعة من الفتن والفتوح لعيسى بن لطف الله

عبدالإله بن سعيد بن عيلي

عن ادارة التحرير

Avatar

شاهد أيضاً

الشاعر عبد الإله الكثيري يلقي قصيدته اضرب فديتك في قناة الواقع والتي تصف معركة الشحر التاريخية التي انتصرت بها الدولة الكثيرية في حضرموت وظفار على البرتغاليين عام ٩٤٢ هجري

الشاعر عبد الإله الكثيري يلقي قصيدته اضرب فديتك في قناة الواقع والتي تصف معركة الشحر …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *