ثقافة البيضة والحجر
مقال / فائز الصيعري
6 مايو 2024م
” ويلٌ للعالَم اذا انحرف المتعلمون وتبهيظَ المثقفون ” … من فيلم ” البيضة والحجر ” ، لم تكن تلك العبارة من إبداعات الممثل المصري الشهير أحمد زكي ، بل هو اقتبسها من عالم الاجتماع الحضرمي الأصل ابن خلدون والذي قال : ويلٌ للعالَم إذا انحرفَ فيه المثقفون ” ..
وهذه العبارة فيها وعيدٌ كبيرٌ ، فلا شك أن العالم يعتمد إعتمادا كليا على المثقفين في كافة أمور الحياة السياسية ، الإجتماعية ، الاقتصادية والدينية .
وإذا ماعدنا الى أحمد زكي ودوره في فلم البيضة والحجر ، فقد كان ذلك الشخص المثقف الذكي الفقير ، والذي اجتهد كثيرا في حياته العلمية ، ليصبح مدرس فلسفة ، إلا أن الفلسفة لم تنتشله من الفقر ، في مجتمعٍ جاهل يؤمن بالخرافة ، فقد كان يستأجر غرفة فوق سطوح منزل بحي شعبي – يعتقد سكان المنزل أنه على صلة بعالم الجن مثل ساكنها القديم – يطرد من عمله بسبب اتهامه بالقيام بنشاطات سياسية معارضة ، ينجح بلباقته في التوفيق بين زوجين تتكرر خلافاتهما ، فيتبارك به أهل الحي ، مما اضطره لاحتراف مهنة الدجل والشعوذة مستغلا دراسته ، وثقافته ، ولباقته في علاجهم وحل مشاكلهم ، تتسع دائرة تعامله ويثري ثراءً كبيرًا ، ثم في النهاية يضيق بتصرفاته تلك ، بعدما أنبه ضميره ، فيسلم نفسه لرجال الشرطة ويطالب بمحاكمة نفسه .. ولكنهم يفرجون عنه .!
إن مهمة المثقفين هي إيقاظُ المجتمعات من سباتِها وغفلاتِها ، وتنوير بصائرها ، والأخذ بأيديها الى مافيه صلاحها ، حتى لا تصبح فريسة لأطماع المتسلطين والفاسدين ، وهي مهمة خطيرة لا تروق لأولئك المتسلطين الفاسدين ، فمتى غاب وانزوى المثقفون ، ضاعت وتخبطت المجتمعات ، أما اذا انحرفوا فويلٌ لتلك المجتمعات منهم .
فأين مثقفو حضرموت اليوم مما حل بها من نكد العيش ، أين هم من قضاياها المصيرية الوطنية ؟
ألم توصف حضرموت بالثقافة ، وأن أهلها أهل فكر ودراية ؟
أين هم من كتابات أديبها الكبير علي أحمد باكثير ، وعالمها الغزير السيد عبدالرحمن بن عبيدالله السقاف ، وشاعرها النحرير عبدالقادر محمد الصبان ، وأيقونة الحضارم بالشرق الأقصى والهند السيد أبوبكر بن شهاب ؟
وهل ما نقرأه اليوم من هرولة بعض المتسلقين ، والوصوليين خلف مشاريع سياسية غير وطنية ، هو صورة من صور خيانة المثقف للمجتمع الحضرمي ، ولعبه بالبيضة والحجر ، بدلاً من تنويره وقيادته نحو التقدم ؟
فتصدر المتسلطون الفاسدون من أنصاف المتعلمين ، بعدما خلعوا عليهم الألقاب ، وفتحوا لهم كل باب ، فهذا الزعيم القائد ، وذاك باني نهضة الوطن وصاحبُ الزمان ، بينما الناس في أسوأ حال .!
فقد قال الأفوه الأودي قديماً :
لايصلحُ الناسُ فوضى لاسَراةَ لهم
ولاسَراةَ اذا جهالُهم سادُوا .