احترام الكبار: قيمة ترفعنا وتجمعنا
للكاتب/ فيصل الكثيري
إن احترام الكبار ليس مجرد قيمة اجتماعية عابرة، بل هو مبدأ متجذر في أعماق الإنسانية، يُعبِّر عن الوفاء لمن سبقونا، ويُظهر عمق فهمنا لمعنى الترابط البشري والاعتراف بالفضل. إنَّ المجتمعات التي تُقدِّر كبارها تعكس نضجها الفكري والأخلاقي، لأن احترام الكبار هو احترام للتجربة، للمعرفة، وللقيم التي حملوها على أكتافهم لتكون الأساس الذي نقف عليه.
إنَّ الكبار يشبهون الأشجار المثمرة، التي تظللنا بظلالها الوارفة وتُغذينا بثمارها الحلوة. قد تبدو أوراقها أحيانًا قديمة أو تساقط بعضها، لكنها تحمل في جذورها تاريخًا طويلًا من العطاء والمثابرة. احترامنا لهم هو امتداد لتقديرنا لكل ما قدموه من تضحيات، تمامًا كما نحافظ على الشجرة ونرويها امتنانًا لما تمنحنا إياه.
الحكمة التي يمتلكها الكبار لا تُقاس بسنوات العمر فقط، بل تُستمد من التجارب التي خاضوها، والمواقف التي صقلتهم، والأخطاء التي تعلموا منها. إنّ الشاب الذي ينصت إلى نصيحة الجد أو الجدة يشبه سفينة تسترشد بمنارة في ليلة عاصفة. فكم من نصيحة تفادى بها إنسان خطأً فادحًا، وكم من تجربة قديمة فتحت آفاقًا جديدة في عقول الأجيال الناشئة ..
ولكن، يجب أن نُدرك أن احترام الكبار لا يقتصر على الكلمات المنمقة أو المظاهر الشكلية. الاحترام الحقيقي يظهر في الإصغاء إلى حديثهم، في مدّ يد العون عند الحاجة، وفي إشعارهم بأن دورهم في الحياة لم ينتهِ. كما قال أحد الحكماء: “الاحترام هو ذلك الصمت الذي يمتلئ بالاعتراف بالجميل”.
تصور أنَّ الحياة مسرح كبير، والكبار هم الممثلون الذين حملوا أدوار البطولة في مشاهد سابقة. عندما نصل إلى خشبة المسرح، فإنَّنا نحترم من سبقنا ونقدر ما قدموه. وإن قلنا إن الكبار كالمصابيح القديمة، فهم يضيئون الطرق المظلمة بحكمتهم، حتى وإن بدا وهجهم خافتًا مقارنة بأضواء العصر الحديث.
كم من شاب استلهم قوته من قصة كفاح أبيه، وكم من فتاة وجدت في نصائح والدتها نورًا يقودها في حياتها الزوجية. إنَّ المجتمعات التي لا تحترم كبارها تخسر بوصلة القيم، وتتعرض لأزمة في العلاقة بين الأجيال، حيث تنقطع سلسلة التعلم وتوارث الخبرات.
احترام الكبار ليس مجرد واجب أخلاقي أو ديني، بل هو تجسيد للإنسانية في أبهى صورها. إنه تقدير للحياة التي أعطتنا، واعتراف بفضل من سبقونا. وكما نغرس الاحترام في قلوبنا تجاههم، فإننا نبني مستقبلًا مليئًا بالتقدير والمحبة، لأننا سنكون يومًا ما في موقعهم، وسنحتاج إلى الاحترام ذاته الذي نمنحه الآن.